غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا} (115)

115

/خ115

التفسير : في تعلق قصة آدم بما قبلها وجوه منها : أنه لما قال : { كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق } ثم عظم شأن القرآن وبالغ فيه ذكر القصة إنجازاً للوعد . ومنها أنه لما قال : { وصرفنا فيه من الوعيد } أردفه بهذه القصة ليعلم أن طاعة بني آدم للشيطان أمر قديم وخلة موروثة ، وذلك أنه عهد إلى آدم من قبل هؤلاء الذين صرف لأجلهم الوعيد فنسي وترك العهد . ومنها أن قوله : { ولا تعجل بالقرآن } دليل على أنه صلى الله عليه وسلم زاد على قدر الواجب في رعاية أمر الدين وكان مفرطاً في أداء الرسالة وحفظ ما أمر به فناسب أن يعطف عليه قصة آدم لأنه كان موسوماً بالتفريط والإفراط والتفريط كلاهما من باب ترك الأولى ، وإذا كان أوّل الأنبياء وخاتمهم موصوفين بما فيه نوع تقصير فما ظنك بغيرهما ! ومن هنا يعرف أفضلية الخاتم فإنه سعى في طلب الكمال إلى أن عوتب بالخروج عن حد الاعتدال ، وآدم توسط في حيز النقصان فلا جرم وسم بالظلم والعصيان . ومنها أن محمداً صلى الله عليه وسلم أمر بأن يقول { رب زدني علماً } ثم ذكر عقيبه قصة آدم تنبيهاً على أن بني آدم مفتقرون في جميع أحوالهم إلى التضرع واللجأ إلى الله حتى ينفتح عليهم أبواب التيسير في العلم والعمل . ومعنى { عهدنا إلى آدم } أمرناه ووصيناه { من قبل } أي من قبل محمد والقرآن . وفي النسيان قولان : أحدهما أنه نقيض الذكر . عن الحسن : والله ما عصي قط إلا بنسيان . والثاني أن معناه الترك وعلى هذا يحتمل أن يقال : أقدم على الأكل من غير تأويل . وأن يقال : أقدم عليه بتأويل قد مر في " البقرة " . قال أهل الإشارة : عهد إليه أن لا يعلق نوره فانقاد للشيطان وهو النسيان . والعزم أيضاً فيه أقوال : أحدها عزماً على الذنب لأنه أخطأ ولم يتعمد . وثانيها عزماً في العود إلى الذنب ثانياً . وثالثها رأياً وصبراً أي لم يكن من أهل العزيمة والثبات إذ كان من حقه أن يتصلب في المأمور به تصلباً يؤيس الشيطان من التسويل . قال جار الله : قوله : { ولم نجد له } يجوز أن يكون بمعنى العلم ومفعولاه { له عزماً } وأن يكون بمعنى نقيض العدم كأنه قال : وعد مثاله عزماً .

/خ115