غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ كِتَٰبٗا مُّؤَجَّلٗاۗ وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ ٱلۡأٓخِرَةِ نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَاۚ وَسَنَجۡزِي ٱلشَّـٰكِرِينَ} (145)

142

ثم قال : { وما كان لنفس أن تموت } ووجه النظم أن المنافقين أرجفوا أن محمداً قتل فارجعوا إلى ما كنتم عليه من الأديان ، فأبطل قولهم بأن القتل مثل الموت في أنه لا يحصل إلا في الوقت المقدر . وكما أنه لو مات في بلده لم يدل ذلك على فساد دينه فكذا لو قتل . وفيه تحريض المؤمنين على الجهاد بإعلامهم أن الحذر لا يغنى عن القدر ، وأن أحداً لا يموت قبل الأجل وإن خوّض المهالك واقتحم المعارك . أو الغرض بيان حفظة وكلاءته لنبيه فإنه ما بقي في تلك الواقعة سبب من أسباب الهلاك والشر إلا وقد حصل إلا أنه تعالى لما كان حافظاً لنبيه ولم يقدّر في ذلك الوقت أجله لم يضره ذلك . وفيه تقريع لأصحابه أنهم قد قصروا في الذب عنه صلى الله عليه وسلم ، وجواب عما قاله المنافقون للصحابة لما رجعوا لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا . قال الأخفش والزجاج : تقدر الكلام وما كانت نفس لتموت إلا بإذن الله . وقال ابن عباس : الإذن هو قضاء الله وقدره فإنه لا يحدث شيء إلا بمشيئة الله وإرادته ، فأورد الكلام على سبيل التمثيل كأنه فعل لا ينبغي لأحد أن يقدم عليه إلا بإذن الله فيه ، وذلك أن إسناد الموت إلى النفس نسبة الفعل إلى القابل لا إلى الفاعل ، فأقيم القابل مقام الفاعل . وقال أبو مسلم : الإذن هو الأمر . والمعنى أن الله تعالى يأمر ملك الموت بقبض الأرواح فلا يموت أحد إلا بهذا الأمر . وقيل : المراد التكوين والتخليق لأنه لا يقدر على خلق الموت والحياة أحد إلا الله .

وقيل : التخلية والإطلاق وترك المنع بالقهر والإجبار . والمعنى ما كان لنفس أن تموت بالقتل إلا بأن يخلي الله بين القاتل والمقتول . وفيه أنه تعالى لا يخلي بين نبيه وبين أحد ليقتله صلى الله عليه وسلم ، ولكنه جعل من بين يديه صلى الله عليه وسلم ومن خلفه رصداً ليتم على يديه بلاغ ما أرسله به فلا تهنوا في غزواتكم بعد ذلك بإرجاف مرجف . وقيل : الإذن العلم أي لن تموت نفس إلا في الوقت الذي علم الله موتها فيه . وفي الآية دليل على أن المقتول ميت بأجله ، وأن تغيير الآجال ممتنع ولذا أكد هذا المعنى بقوله : { كتاباً مؤجلاً } وهو مصدر مؤكد لنفسه لدلالة ما قبله عليه أي كتب الموت كتاباً مؤجلاً مؤقتاً له أجل معلوم لا يتقدم ولا يتأخر . وقيل : الكتاب المؤجل هو المشتمل على الآجال . وقيل : هو اللوح المحفوظ الذي كتب فيه جميع الحوادث من الخلق والرزق والأجل والسعادة والشقاوة . قال القاضي : الأجل والرزق مضافان إلى الله تعالى ، وأما الكفر والفسق والإيمان والطاعة فكل ذلك مضاف إلى العبد . فإذا كتب تعالى ذلك فإنما يكتب ما يعلمه من اختيار العبد وذلك لا يخرج فيه العبد من أن يكون مذموماً أو ممدوحاً . والحق أن هذا تعكيس للقضية فإن الله تعالى إذا علم من العبد الكفر استحال أن يأتي هو بالإيمان وإلا انقلب علم الله جهلاً ، وإذا كان هو غير قادر على الإيمان حينئذٍ فما معنى اختياره ؟ ثم إنه كان في الذين حضروا يوم أحد من يريد الدنيا ومن يريد الآخرة كما أخبر الله تعالى في هذه السورة فقوله : { ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها } أي من ثوابها تعريض بالفريق الدنيوي وهم الذين شغلتهم الغنائم ، وباقي الآية مدح للفريق الآخر الأخروي ، وإن فضله تعالى وعطيته شامل لكلا الفريقين ، لكن ثواب الفريق الثاني هو المعتد به في الحقيقة ولهذا ختم الكلام بقوله : { وسنجزي الشاكرين } فأبهم الجزاء وأضافه إلى نفسه تنبيهاً على جزاء الذين شكروا نعمة الإسلام فلم يشغلهم عن الجهاد شيء لا يكتنه كنهه وتقصر عنه العبارة ، وأنه كما يليق بعميم فضله وجسيم طوله . وهذه الآية وإن وردت في الجهاد لكنها عامة في جميع الأعمال كما قال صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات " وذلك لأن المؤثر في جانب الثواب والعقاب القصود والدواعي . فمن وضع الجبهة على الأرض والوقت ظهر والشمس أمامه ، فإن قصد بذلك السجود عبادة الله تعالى كان من الإيمان ، وإن قصد تعظيم الشمس كان من الكفر .

/خ150