غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَقَدۡ كُنتُمۡ تَمَنَّوۡنَ ٱلۡمَوۡتَ مِن قَبۡلِ أَن تَلۡقَوۡهُ فَقَدۡ رَأَيۡتُمُوهُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ} (143)

142

{ ولقد كنتم تمنون الموت } الخطاب فيه للذين ألحوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى المشركين وكان رأيه في الإقامة بالمدينة . ويراد بالموت سببه وهو الجهاد والقتل . قال المحققون : إنه لم يكن تمنيهم للموت تمنياً لأن يقتلوا لأن قتل المشركين لهم كفر . ولا يجوز للمؤمن أن يتمنى الكفر أو يريده أو يرضى به ، بل إنما تمنوا الفوز بدرجات الشهداء والوصول إلى كراماتهم . وشبهوا ذلك بمن شرب دواء الطبيب النصراني فإن غرضه حصول الشفاء . ولا يخطر بباله جر منفعة وإحسان إلى عدو الله وتنفيق صناعته ، قالت الأشاعرة ههنا : من أراد شيئاً أراد ما هو من لوازمه ، وثواب الشهداء لا يحصل إلا بالشهادة ، ولا ريب أنه تعالى أراد إيصال ثواب الشهداء إلى المؤمنين ، ولهذا ورد من الترغيبات ما ورد فأراد صيرورتهم شهداء ، ولن يصيروا شهداء إلا إذا قتلهم الكفار فلا بد أن يريد أن يقتلهم الكفار وذلك القتل كفر ومعصية ، فثبت أنه تعالى مريد للكفر والإيمان والطاعة والعصيان . { من قبل أن تلقوه } من قبل أن تشاهدوه وتعرفوا شدته وصعوبة مقاساته . { فقد رأيتموه وأنتم تنظرون } قال الزجاج : أي وأنتم بصراء كقولهم : رأيته بعيني أي رأيتموه معاينين حين قتل بين أيديكم من قتل من إخوانكم وشارفتم أن تقتلوا . ويحتمل أن يراد رأيتم إقدام القوة وشدة حرصهم على قتلكم وعلى قتل الرسول ، ثم بقيتم أنتم تنظرون إليهم من غير جد في دفعهم ولا اجتهاد في مقاتلتهم ، وفيه توبيخ لهم على تمنيهم الجهاد وعلى إلحاحهم في الخروج إليه ، ثم انهزامهم وقلة ثباتهم عنده . قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بالشعب أمر الرماة أن يلزموا أصل الجبل ولا ينتقلوا سواء كان الأمر لهم أو عليهم . فلما وقفوا وحملوا على الكفار هزموهم وقتل علي عليه السلام طلحة بن أبي طلحة صاحب لوائهم ، والزبير والمقداد شدا على المشركين ، ثم حمل الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه فهزموا أبا سفيان . ثم إن بعض القوم لما رأوا انهزام الكفار بادر قوم من الرماة إلى الغنيمة ، وكان خالد بن الوليد صاحب ميمنة الكفار ، فلما رأى تفرق الرماة حمل على المسلمين فهزمهم وفرق جمعهم ، وكثر القتل في المسلمين ، ورمى عبد الله بن قميئة الحارثي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر وكسر رباعيته وشج وجهه وأقبل يريد قتله ، فذب عنه مصعب بن عمير وهو صاحب الراية يوم بدر ويوم أحد حتى قتله ابن قميئة .

/خ150