غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٞ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡۚ وَمَن يَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيۡـٔٗاۚ وَسَيَجۡزِي ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (144)

142

واحتمل طلحة بن عبيد الله رسول الله ودافع عنه أبو بكر وعلي عليه السلام . وظن ابن قميئة أنه قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قد قتلت محمداً ، وصرخ صارخاً ألا إن محمداً قد قتل . قيل : وكان الصارخ الشيطان ففشا في الناس خبر قتله صلى الله عليه وسلم فانكفؤا ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو : إليّ عباد الله ، حتى انحازت إليه طائفة من أصحابه فلامهم على هربهم فقالوا : يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا ، أتانا خبر قتلك فرعبت قلوبنا فنزلت { وما محمد إلا رسول } أي مرسل . قال أبو علي : وقد يكون الرسول في غير هذا الموضع بمعنى الرسالة أي حالة مقصور على الرسالة لا يتخطاها إلى البقاء والدوام { قد خلت من قبله الرسل } فسيخلو كما خلوا . وكما أن أتباعهم بقوا متمسكين بدينهم بعد خلوهم فكونوا أنتم كذلك لأن الغرض من إرسال الرسل التبليغ وإلزام الحجة لا وجودهم بين أممهم أبداً { أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } الفاء لتسبيب الجملة الشرطية عن الجملة التي قبلها ، والهمزة لإنكار الجزاء لأنه في الحقيقة كأنه دخل عليه . والمعنى : أفتنقلبون على أعقابكم إن مات محمداً أو قتل ؟ وسبب الإنكار ما تقدم من الدليلين : أحدهما أن الحاجة إلى الرسول هي التبليغ وبعد ذلك لا حاجة إليه ، فلا يلزم من قتله أو موته الإدبار عما كان هو عليه من الدين وما يلزم كالجهاد . وثانيهما القياس على موت سائر الأنبياء وقتلهم ، فإن موسى عليه السلام مات ولم ترجع أمته عن ذلك الدين . والنصارى زعموا أن عيسى عليه السلام قتل وهم لم يرجعوا عن دينه وإنما ذكر القتل . وقد علم أنه لا يقتل لكونه مجوّزاً عند المخاطبين . وقوله :{ والله يعصمك من الناس }[ المائدة :67 ] لو سلم أنه متقدم في النزول فإنه مما كان يختص بمعرفته العلماء منهم على أنه ليس نصاً في العصمة عن القتل ، بل يحتمل العصمة من فتنة الناس وإضلالهم . وقوله :{ إنك ميت }

[ الزمر :30 ] يراد به المفارقة إلى الآخرة بأي طريق كان بدليل { وإنهم ميتون }[ الزمر :30 ] وكثير منهم قد قتلوا . ويمكن أن يقال : صدق القضية الشرطية لا يتوقف على صدق جزأيها لصدق قولنا إن كانت الخمسة زوجاً فهي تنقسم بمتساويين مع كذب جزأيها . ومعنى " أو " هو الترديد والتشكيك أي سواء فرض وقوع الموت أو القتل فلا تأثير له في ضعف الدين ووجوب الإدبار أو الارتداد { ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً } بل لا يضر إلا نفسه ، وهذا كما يقول الوالد لولده عند العتاب إن هذا الذي تأتي به من الأفعال لا يضر السماء والأرض . يريد أنه يعود ضرره عليه .

وما ارتد أحد من المسلمين ذلك اليوم إلا ما كان من قول المنافقين . ويجوز أن يكون على وجه التغليظ عليهم فيما كان منهم من الفرار والانكشاف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . روي أنه لما صرخ الصارخ قال بعض المسلمين : ليت عبد الله بن أبيّ يأخذ لنا أماناً من أبي سفيان . وقال ناس من المنافقين : لو كان نبياً لما قتل ، ارجعوا إلى إخوانكم وإلى دينكم . فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك : يا قوم إن كان قتل محمد فإن رب محمد حي لا يموت . وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله ؟ فقاتلوا على ما قاتل عليه وموتوا على ما مات عليه . ثم قال : اللهم إني اعتذر إليك مما يقول هؤلاء ، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء ، ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل . وعن بعض المهاجرين أنه مر بأنصاري يتشحط في دمه فقال : يا فلان ، أشعرت أن محمداً قد قتل ؟ فقال : إن كان قتل فقد بلغ قاتلوا على دينكم . ففي أمثالهم قال تعالى : { وسيجزي الله الشاكرين } لأنهم شكروا نعمة الإسلام فيما فعلوا من الصبر والثبات .

/خ150