{ وكأين } الأكثرون على أنها في الأصل مركبة من كاف التشبيه و " أي " التي هي في غاية الإبهام إذا قطعت عن الإضافة . كما أن " كذا " مركبة من " الكاف " و " ذا " المقصود به الإشارة .
" فكأين " مثل " كذا " في كون المجرورين مبهمين عند السامع إلا أن في " ذا " إشارة في الأصل إلى ما في ذهن المتكلم بخلاف " أي " فإنه للعدد المبهم ومميزها منصوب ومفرد على الأصل . والأكثر إدخال " من " في مميز " كأين " وبه ورد القرآن ، والتمييز بعد " كذا " و " كأين " في الأصل عن الكاف لا عن " ذا " و " أي " كما في " مثلك رجلاً " لأنك تبين في كذا رجلاً وكأين رجلاً أن مثل العدد المبهم في أي جنس هو ولم تبين العدد المبهم . فأي في الأصل كان معرباً لكنه انمحى عن الجزأين معناهما الإفرادي وصار المجموع كاسم مفرد بمعنى " كم " الخبرية فصار كأنه اسم مبني على السكون آخره نون ساكنة كما في " من " لا تنوين تمكن فلهذا يكتب بعد الياء نون ، مع أن التنوين لا صورة له خطاً ولأجل التركيب تصرف فيه فقيل : كائن مثل كاعن . وربما ظن بعضهم أنه اسم فاعل من كان ، ولكنه بني لكثرة الاستعمال وهاتان اللغتان فيه مشهورتان ولهذا قرئ بهما . وفيه لغات آخر غير مشهورة تركنا ذكرها لأنه لم يقرأ بها ولعلك تجدها في كتبنا الأدبية ، ومحل { كأين } ههنا رفع على الابتداء ، وقوله { قتل } أو { قاتل } خبره والضمير يعود إلى لفظ { كأين } فإنه مفرد اللفظ . وإن كان مجموع المعنى . والربيون معناه الألوف أو الجماعات الكثيرة . الواحد ربى عن الفراء والزجاج . قال ابن قتيبة : أصله من الربة الجماعة ، فحذفت الهاء في النسبة ، ويقال : ترببوا أي تجمعوا . وقال ابن زيد : الربانيون الأئمة والولاة ، والربيون الرعية . والكسر فيه من تغييرات النسب كالضم في دهري ، والقياس الفتح ، ثم من قرأ { قتل } فمعنى الآية إن كثيراً من الأنبياء قتلوا والذين بقوا بعده ما وهنوا في دينهم بل استمروا على جهاد عدوّهم ونصرة دينهم وكان ينبغي أن يكون لكم فيهم أسوة حسنة . فيكون المقصود من الآية حكاية ما جرى لسائر الأنبياء لتقتدي هذه الأمم بهم . ومن قرأ { قاتل } فالمعنى : وكم من نبي قاتل معه العدد الكثير من أصحابه فأصابهم من عدوّهم قروح فما وهنوا . فعلى هذا يكون الغرض من الآية ترغيب الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في القتال . وربما تؤيد هذه القراءة بما روي عن سعيد بن جبير أنه قال : ما سمعنا بنبي قتل في القتال ، ويحتمل أن تنزل القراءة الأولى على هذه الرواية أيضاً بأن يقال : المعنى وكأين من نبي قتل ممن كان معه وعلى دينه ربيون كثير ، فما ضعف الباقون وما استكانوا لقتل من قتل من إخوانهم ، بل مضوا على جهاد عدّوهم .
ثم إنه تعالى مدح هؤلاء الربيين بصفات وذلك قوله { فما وهنوا } إلخ ولا بد من تغايرها فقيل { فما وهنوا } عند قتل النبي { وما ضعفوا } عن الجهاد بعده { وما استكانوا } للعدو أي لم يخضعوا له ، وفيه تعريض بما أصاب المسلمين من الوهن والانكسار عن الإرجاف بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبضعفهم عند ذلك عن جهاد الكفار واستكانتهم لهم حين أرادوا أن يعتضدوا بالمنافق عبد الله بن أبي في طلب الأمان من أبي سفيان . وقيل : الوهن استيلاء الخوف عليهم ، والضعف ضعف الإيمان واختلاج الشبهات في صدورهم ، والاستكانة الانتقال من دينهم إلى دين عدوهم . وقيل : الوهن ضعف يلحق القلب ، والضعف مطلقاً اختلال القوة الجسمية ، والاستكانة إظهار ذلك العجز والضعف . واستكان قيل " افتعل " من السكون كأنه سكن لصاحبه ليفعل به ما يريد . وعلى هذا فالمد شاذ كقولهم " هو منه بمنتزاح " أي ببعد يراد بمنتزح . والأصح أنه استفعل من " كان " والمد قياسي كأن صاحبه تغير من كون إلى كون أي من حال إلى حال . { والله يحب الصابرين } بأن يريد إكرامهم والحكم بالثواب والجنة لهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.