غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٞ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (146)

141

{ وكأين } الأكثرون على أنها في الأصل مركبة من كاف التشبيه و " أي " التي هي في غاية الإبهام إذا قطعت عن الإضافة . كما أن " كذا " مركبة من " الكاف " و " ذا " المقصود به الإشارة .

" فكأين " مثل " كذا " في كون المجرورين مبهمين عند السامع إلا أن في " ذا " إشارة في الأصل إلى ما في ذهن المتكلم بخلاف " أي " فإنه للعدد المبهم ومميزها منصوب ومفرد على الأصل . والأكثر إدخال " من " في مميز " كأين " وبه ورد القرآن ، والتمييز بعد " كذا " و " كأين " في الأصل عن الكاف لا عن " ذا " و " أي " كما في " مثلك رجلاً " لأنك تبين في كذا رجلاً وكأين رجلاً أن مثل العدد المبهم في أي جنس هو ولم تبين العدد المبهم . فأي في الأصل كان معرباً لكنه انمحى عن الجزأين معناهما الإفرادي وصار المجموع كاسم مفرد بمعنى " كم " الخبرية فصار كأنه اسم مبني على السكون آخره نون ساكنة كما في " من " لا تنوين تمكن فلهذا يكتب بعد الياء نون ، مع أن التنوين لا صورة له خطاً ولأجل التركيب تصرف فيه فقيل : كائن مثل كاعن . وربما ظن بعضهم أنه اسم فاعل من كان ، ولكنه بني لكثرة الاستعمال وهاتان اللغتان فيه مشهورتان ولهذا قرئ بهما . وفيه لغات آخر غير مشهورة تركنا ذكرها لأنه لم يقرأ بها ولعلك تجدها في كتبنا الأدبية ، ومحل { كأين } ههنا رفع على الابتداء ، وقوله { قتل } أو { قاتل } خبره والضمير يعود إلى لفظ { كأين } فإنه مفرد اللفظ . وإن كان مجموع المعنى . والربيون معناه الألوف أو الجماعات الكثيرة . الواحد ربى عن الفراء والزجاج . قال ابن قتيبة : أصله من الربة الجماعة ، فحذفت الهاء في النسبة ، ويقال : ترببوا أي تجمعوا . وقال ابن زيد : الربانيون الأئمة والولاة ، والربيون الرعية . والكسر فيه من تغييرات النسب كالضم في دهري ، والقياس الفتح ، ثم من قرأ { قتل } فمعنى الآية إن كثيراً من الأنبياء قتلوا والذين بقوا بعده ما وهنوا في دينهم بل استمروا على جهاد عدوّهم ونصرة دينهم وكان ينبغي أن يكون لكم فيهم أسوة حسنة . فيكون المقصود من الآية حكاية ما جرى لسائر الأنبياء لتقتدي هذه الأمم بهم . ومن قرأ { قاتل } فالمعنى : وكم من نبي قاتل معه العدد الكثير من أصحابه فأصابهم من عدوّهم قروح فما وهنوا . فعلى هذا يكون الغرض من الآية ترغيب الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في القتال . وربما تؤيد هذه القراءة بما روي عن سعيد بن جبير أنه قال : ما سمعنا بنبي قتل في القتال ، ويحتمل أن تنزل القراءة الأولى على هذه الرواية أيضاً بأن يقال : المعنى وكأين من نبي قتل ممن كان معه وعلى دينه ربيون كثير ، فما ضعف الباقون وما استكانوا لقتل من قتل من إخوانهم ، بل مضوا على جهاد عدّوهم .

ثم إنه تعالى مدح هؤلاء الربيين بصفات وذلك قوله { فما وهنوا } إلخ ولا بد من تغايرها فقيل { فما وهنوا } عند قتل النبي { وما ضعفوا } عن الجهاد بعده { وما استكانوا } للعدو أي لم يخضعوا له ، وفيه تعريض بما أصاب المسلمين من الوهن والانكسار عن الإرجاف بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبضعفهم عند ذلك عن جهاد الكفار واستكانتهم لهم حين أرادوا أن يعتضدوا بالمنافق عبد الله بن أبي في طلب الأمان من أبي سفيان . وقيل : الوهن استيلاء الخوف عليهم ، والضعف ضعف الإيمان واختلاج الشبهات في صدورهم ، والاستكانة الانتقال من دينهم إلى دين عدوهم . وقيل : الوهن ضعف يلحق القلب ، والضعف مطلقاً اختلال القوة الجسمية ، والاستكانة إظهار ذلك العجز والضعف . واستكان قيل " افتعل " من السكون كأنه سكن لصاحبه ليفعل به ما يريد . وعلى هذا فالمد شاذ كقولهم " هو منه بمنتزاح " أي ببعد يراد بمنتزح . والأصح أنه استفعل من " كان " والمد قياسي كأن صاحبه تغير من كون إلى كون أي من حال إلى حال . { والله يحب الصابرين } بأن يريد إكرامهم والحكم بالثواب والجنة لهم .

/خ150