غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ} (133)

130

{ وسارعوا } معطوف على ما قبله . ومن قرأ بغير الواو فلأنه جعل قوله : { سارعوا } وقوله : { أطيعوا الله } كالشيء الواحد لأنهما متلازمان . وتمسك كثير من الأصوليين به في أن ظاهر الأمر يوجب الفور قالوا : في الكلام محذوف والتقدير : سارعوا إلى ما يوجب مغفرة من ربكم . وذكر المغفرة ليفيد المغفرة العظيمة المتناهية في العظم وليس ذلك إلا المغفرة الحاصلة بسبب الإسلام والإتيان بجميع الطاعات والاجتناب عن كل المنهيات وهذا قول عكرمة . وعن علي بن أبي طالب : هو أداء الفرائض . وعن عثمان بن عفان أنه الإخلاص لأنه المقصود من جميع العبادات . وعن أبي العالية أنه الهجرة . وقال الضحاك ومحمد بن إسحق : إنه الجهاد لأنه من تمام قصة أحد . وقال الأصم : بادروا إلى التوبة من الربا لأنه ورد عقيب النهي عن الربا . ثم عطف عليه المسارعة إلى الجنة لأن الغفران ظاهره إزالة العقاب . والجنة معناها حصول الثواب ، ولا بد للمكلف من تحصيل الأمرين . ثم وصف الجنة بأن عرضها السماوات ، ومن البيّن أن نفس السماوات لا تكون عرضاً للجنة ، فالمراد كعرض السماوات لقوله في موضع آخر { عرضها كعرض السماء }[ الحديد :21 ] والمراد المبالغة في وصف سعة الجنة فشبهت بأوسع ما علمه الناس من خلقه وأبسطه ونظيره { خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض }[ هود :107 ] لأنها أطول الأشياء بقاء عندنا . وقيل : المراد أنه لو جعلت السماوات والأرضون طبقاً طبقاً بحيث يكون كل واحد من تلك الطبقات سطحاً مؤلفاً من أجزاء لا تتجزأ ، ثم وصل البعض بالبعض طبقاً واحداً لكان ذلك مثل عرض الجنة ، وهذه غاية من السعة لا يعلمها إلا الله تعالى . وقيل : إن الجنة التي عرضها عرض السماوات والأرض إنما تكون للرجل الواحد لأن الإنسان إنما يرغب فيما يصير ملكاً له ، فلا بد أن تكون الجنة المملوكة لكل أحد مقدارها هكذا . وقال أبو مسلم : معنى العرض القيمة ، ومنه عارضت الثوب بكذا . معناه لو عرضت السماوات والأرض على سبيل البيع لكانتا ثمناً للجنة . والأكثرون على أن المراد بالعرض ههنا خلاف الطول . وخص بالذكر لأنه في العادة أدنى من الطول ، وإذا كان العرض هكذا فما ظنك بالطول . ونظيره { بطائنها من استبرق }[ الرحمن :54 ] لأن البطائن في العادة تكون أدون حالاً من الظهائر وإذا كانت البطانة كذلك فكيف الظهارة ؟ وقال القفال : العرض عبارة عن السعة . تقول العرب : بلاد عريضة أي واسعة .

والأصل فيه أن ما اتسع عرضه لم يضق ولم يدق ، وما ضاق عرضه دق . فجعل العرض كناية عن السعة . وسئل ههنا إنكم تقولون الجنة في السماء فكيف يكون عرضها كعرض السماء ؟ وأجيب بعد تسليم كونها الآن مخلوقة أنها فوق السماوات وتحت العرش . قال صلى الله عليه وسلم في صفة الفردوس " سقفها عرش الرحمن " وروي أن رسول هرقل سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقال : إنك تدعو إلى الجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين فأين النار ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار ؟ " والمعنى - والله ورسوله أعلم - أنه إذا دار الفلك حصل النهار في جانب من العالم والليل في ضد ذلك الجانب ، فكذا الجنة في جهة العلو والنار في جهة السفل . وسئل أنس بن مالك عن الجنة أفي الأرض أم في السماء ؟ فقال : وأي أرض وسماء تسع الجنة ؟ قيل : فأين هي ؟ قال : فوق السماوات السبع تحت العرش .

/خ141