{ وسارعوا } معطوف على ما قبله . ومن قرأ بغير الواو فلأنه جعل قوله : { سارعوا } وقوله : { أطيعوا الله } كالشيء الواحد لأنهما متلازمان . وتمسك كثير من الأصوليين به في أن ظاهر الأمر يوجب الفور قالوا : في الكلام محذوف والتقدير : سارعوا إلى ما يوجب مغفرة من ربكم . وذكر المغفرة ليفيد المغفرة العظيمة المتناهية في العظم وليس ذلك إلا المغفرة الحاصلة بسبب الإسلام والإتيان بجميع الطاعات والاجتناب عن كل المنهيات وهذا قول عكرمة . وعن علي بن أبي طالب : هو أداء الفرائض . وعن عثمان بن عفان أنه الإخلاص لأنه المقصود من جميع العبادات . وعن أبي العالية أنه الهجرة . وقال الضحاك ومحمد بن إسحق : إنه الجهاد لأنه من تمام قصة أحد . وقال الأصم : بادروا إلى التوبة من الربا لأنه ورد عقيب النهي عن الربا . ثم عطف عليه المسارعة إلى الجنة لأن الغفران ظاهره إزالة العقاب . والجنة معناها حصول الثواب ، ولا بد للمكلف من تحصيل الأمرين . ثم وصف الجنة بأن عرضها السماوات ، ومن البيّن أن نفس السماوات لا تكون عرضاً للجنة ، فالمراد كعرض السماوات لقوله في موضع آخر { عرضها كعرض السماء }[ الحديد :21 ] والمراد المبالغة في وصف سعة الجنة فشبهت بأوسع ما علمه الناس من خلقه وأبسطه ونظيره { خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض }[ هود :107 ] لأنها أطول الأشياء بقاء عندنا . وقيل : المراد أنه لو جعلت السماوات والأرضون طبقاً طبقاً بحيث يكون كل واحد من تلك الطبقات سطحاً مؤلفاً من أجزاء لا تتجزأ ، ثم وصل البعض بالبعض طبقاً واحداً لكان ذلك مثل عرض الجنة ، وهذه غاية من السعة لا يعلمها إلا الله تعالى . وقيل : إن الجنة التي عرضها عرض السماوات والأرض إنما تكون للرجل الواحد لأن الإنسان إنما يرغب فيما يصير ملكاً له ، فلا بد أن تكون الجنة المملوكة لكل أحد مقدارها هكذا . وقال أبو مسلم : معنى العرض القيمة ، ومنه عارضت الثوب بكذا . معناه لو عرضت السماوات والأرض على سبيل البيع لكانتا ثمناً للجنة . والأكثرون على أن المراد بالعرض ههنا خلاف الطول . وخص بالذكر لأنه في العادة أدنى من الطول ، وإذا كان العرض هكذا فما ظنك بالطول . ونظيره { بطائنها من استبرق }[ الرحمن :54 ] لأن البطائن في العادة تكون أدون حالاً من الظهائر وإذا كانت البطانة كذلك فكيف الظهارة ؟ وقال القفال : العرض عبارة عن السعة . تقول العرب : بلاد عريضة أي واسعة .
والأصل فيه أن ما اتسع عرضه لم يضق ولم يدق ، وما ضاق عرضه دق . فجعل العرض كناية عن السعة . وسئل ههنا إنكم تقولون الجنة في السماء فكيف يكون عرضها كعرض السماء ؟ وأجيب بعد تسليم كونها الآن مخلوقة أنها فوق السماوات وتحت العرش . قال صلى الله عليه وسلم في صفة الفردوس " سقفها عرش الرحمن " وروي أن رسول هرقل سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقال : إنك تدعو إلى الجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين فأين النار ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار ؟ " والمعنى - والله ورسوله أعلم - أنه إذا دار الفلك حصل النهار في جانب من العالم والليل في ضد ذلك الجانب ، فكذا الجنة في جهة العلو والنار في جهة السفل . وسئل أنس بن مالك عن الجنة أفي الأرض أم في السماء ؟ فقال : وأي أرض وسماء تسع الجنة ؟ قيل : فأين هي ؟ قال : فوق السماوات السبع تحت العرش .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.