غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡاْ أَجۡرٌ عَظِيمٌ} (172)

161

ثم إنه تعالى مدح المؤمنين بغزوتين متصلتين بغزوة أحد تعرف أولاهما بغزوة حمراء الأسد ، والثانية بغزوة بدر الصغرى . أما الأولى فما روي أن أبا سفيان وأصحابه لما انصرفوا من أحد فبلغوا الروحاء ندموا وقالوا : إنا قتلنا أكثرهم ولم يبقَ منهم إلاّ القليل . فلم تركناهم ؟ فهموا بالرجوع فبلغ ذلك رسول الله ، فأراد أن يرهب الكفار ويريهم من نفسه ومن أصحابه قوّتهم فندب أصحابه إلى الخروج في طلب أبي سفيان وقال : لا أريد الآن أن يخرج معي إلا من حضر يومنا بالأمس . فخرج في سبعين من الصحابة حتى بلغوا حمراء الأسد - وهي من المدينة على ثمانية أميال - فألقى الله الرعب في قلوب المشركين وانهزموا . فنزلت { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا } بإتيان جميع المأمورات { واتقوا } بالانتهاء عن المحظورات { وأحسنوا } في طاعة الرسول واتقوا مخالفته وإن بلغ الأمر بهم إلى الجراحات . روي أنه كان فيهم من يحمل صاحبه على عنقه ساعة . ثم كان المحمول يحمل الحامل ساعة أخرى ، وكان فيهم من يتوكأ على صاحبه ساعة ويتوكأ عليه صاحبه ساعة . و " من " في قوله : { للذين أحسنوا منهم } للتبيين لأن الذين استجابوا لله والرسول قد أحسنوا كلهم واتقوا لا بعضهم . وقال أبو بكر الأصم : نزلت في يوم أحد لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم بالناس بعد الهزيمة فشد بهم على المشركين حتى كشفهم ، وكانوا قد هموا بالمثلة فدفعهم عنهم بعد أن مثلوا بحمزة ، فصلى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ودفنهم بدمائهم .

وذكروا أن صفية جاءت لتنظر إلى أخيها حمزة فقال صلى الله عليه وسلم للزبير " ردّها لئلا تجزع من مثلة أخيها " . فقالت : قد بلغني ما فعل به وذلك يسير في جنب طاعة الله تعالى . فقال للزبير : فدعها تنظر إليه ، فقالت خيراً واستغفرت له . وجاءت امرأة أخرى قد قتل زوجها وأبوها وأخوها وابنها ، فلما رأت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حي قالت : إن كل مصيبة بعدك هدر . وأما الثانية فروى ابن عباس أن أبا سفيان لما عزم أن ينصرف من المدينة إلى مكة نادى : يا محمد موعدنا موسم بدر الصغر القابل فنقتتل بها إن شئت . فقال صلى الله عليه وسلم لعمر : قل بيننا وبينك ذاك إن شاء الله . فلما حضر الأجل خرج أبو سفيان مع قومه حتى نزل مرّ الظهران ، فألقى الله الرعب في قلبه فبدا له أن يرجع ، فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم معتمراً فقال : يا نعيم إني واعدت محمداً أن نلتقي بموسم بدر ، وإن هذا عام جدب ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن ، وقد بدا لي أن أرجع . ولكن إن خرج محمد ولم أخرج زاده ذلك جرأة فألحق بالمدينة وثبطهم ولك عندي عشر من الإبل . فخرج نعيم فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم : ما هذا بالرأي أتوكم في دياركم وقراركم فقتلوا أكثركم ، فإن ذهبتم إليهم لم يرجع منكم أحد ، فوقع هذا الكلام في قلوب قوم منهم . فقال صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لأخرجنّ إليهم وحدي " . فخرج في سبعين راكباً وهم يقولون : حسبنا الله ونعم الوكيل ، إلى أن وصلوا إلى بدر الصغرى وهي ماء لبني كنانة وكانت موضع سوق لهم يجتمعون فيها كل عام ثمانية أيام . فلم يلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحداً من المشركين . وكانت معهم تجارت ونفقات فوافوا السوق وباعوا ما معهم واشتروا بها أدماً وزبيباً وربحوا وأصابوا بالدرهم درهمين ، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين .

/خ175