ثم إنه تعالى مدح المؤمنين بغزوتين متصلتين بغزوة أحد تعرف أولاهما بغزوة حمراء الأسد ، والثانية بغزوة بدر الصغرى . أما الأولى فما روي أن أبا سفيان وأصحابه لما انصرفوا من أحد فبلغوا الروحاء ندموا وقالوا : إنا قتلنا أكثرهم ولم يبقَ منهم إلاّ القليل . فلم تركناهم ؟ فهموا بالرجوع فبلغ ذلك رسول الله ، فأراد أن يرهب الكفار ويريهم من نفسه ومن أصحابه قوّتهم فندب أصحابه إلى الخروج في طلب أبي سفيان وقال : لا أريد الآن أن يخرج معي إلا من حضر يومنا بالأمس . فخرج في سبعين من الصحابة حتى بلغوا حمراء الأسد - وهي من المدينة على ثمانية أميال - فألقى الله الرعب في قلوب المشركين وانهزموا . فنزلت { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا } بإتيان جميع المأمورات { واتقوا } بالانتهاء عن المحظورات { وأحسنوا } في طاعة الرسول واتقوا مخالفته وإن بلغ الأمر بهم إلى الجراحات . روي أنه كان فيهم من يحمل صاحبه على عنقه ساعة . ثم كان المحمول يحمل الحامل ساعة أخرى ، وكان فيهم من يتوكأ على صاحبه ساعة ويتوكأ عليه صاحبه ساعة . و " من " في قوله : { للذين أحسنوا منهم } للتبيين لأن الذين استجابوا لله والرسول قد أحسنوا كلهم واتقوا لا بعضهم . وقال أبو بكر الأصم : نزلت في يوم أحد لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم بالناس بعد الهزيمة فشد بهم على المشركين حتى كشفهم ، وكانوا قد هموا بالمثلة فدفعهم عنهم بعد أن مثلوا بحمزة ، فصلى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ودفنهم بدمائهم .
وذكروا أن صفية جاءت لتنظر إلى أخيها حمزة فقال صلى الله عليه وسلم للزبير " ردّها لئلا تجزع من مثلة أخيها " . فقالت : قد بلغني ما فعل به وذلك يسير في جنب طاعة الله تعالى . فقال للزبير : فدعها تنظر إليه ، فقالت خيراً واستغفرت له . وجاءت امرأة أخرى قد قتل زوجها وأبوها وأخوها وابنها ، فلما رأت الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حي قالت : إن كل مصيبة بعدك هدر . وأما الثانية فروى ابن عباس أن أبا سفيان لما عزم أن ينصرف من المدينة إلى مكة نادى : يا محمد موعدنا موسم بدر الصغر القابل فنقتتل بها إن شئت . فقال صلى الله عليه وسلم لعمر : قل بيننا وبينك ذاك إن شاء الله . فلما حضر الأجل خرج أبو سفيان مع قومه حتى نزل مرّ الظهران ، فألقى الله الرعب في قلبه فبدا له أن يرجع ، فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم معتمراً فقال : يا نعيم إني واعدت محمداً أن نلتقي بموسم بدر ، وإن هذا عام جدب ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن ، وقد بدا لي أن أرجع . ولكن إن خرج محمد ولم أخرج زاده ذلك جرأة فألحق بالمدينة وثبطهم ولك عندي عشر من الإبل . فخرج نعيم فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم : ما هذا بالرأي أتوكم في دياركم وقراركم فقتلوا أكثركم ، فإن ذهبتم إليهم لم يرجع منكم أحد ، فوقع هذا الكلام في قلوب قوم منهم . فقال صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده لأخرجنّ إليهم وحدي " . فخرج في سبعين راكباً وهم يقولون : حسبنا الله ونعم الوكيل ، إلى أن وصلوا إلى بدر الصغرى وهي ماء لبني كنانة وكانت موضع سوق لهم يجتمعون فيها كل عام ثمانية أيام . فلم يلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحداً من المشركين . وكانت معهم تجارت ونفقات فوافوا السوق وباعوا ما معهم واشتروا بها أدماً وزبيباً وربحوا وأصابوا بالدرهم درهمين ، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.