غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٖ مُّحۡضَرٗا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓءٖ تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيدٗاۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (30)

26

ثم خلط الوعيد بالوعد والترهيب بالترغيب فقال : { يوم تجد } وفي عامله وجوه قال ابن الأنباري : وإلى الله المصير يوم تجد . وقيل : والله على كل شيء قدير يوم تجد ، وخص ذلك اليوم بالذكر وإن كان غيره من الأيام بمنزلته في قدرة الله تعالى تعظيماً لشأنه مثل { مالك يوم الدين }[ الفاتحة : 3 ] وقيل : انتصابه بمضمر أي اذكر . والأظهر أن العامل فيه { تود } والضمير في { بينه } لليوم أي تود كل نفس يوم تجد ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء محضراً أيضاً لو أن بينها وبين ذلك اليوم وهو له أمداً بعيداً . والأمد الغاية التي ينتهي إليها مكاناً كانت أو زماناً . والمقصود تمني بعده كقوله :{ يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين }[ الزخرف : 38 ] ومعنى كون العمل محضراً هو أن يكون ما كتب فيه العمل من الصحائف حاضراً ، أو يكون جزاؤه حاضراً إذ العمل عرض لا يبقى . ثم إن لم يكن يوم متعلقاً ب { تود } احتمل أن يكون { تود } صفة

{ سوء } والضمير في { بينه } يعود إليه ، واحتمل أن يكون حالاً ، واحتمل أن يكون { ما عملت } مبتدأ من الصلة والموصول و { تود } خبره وهو الأكثر ، واحتمل أن يكون " ما " شرطية و { تود } جزاء له وهو قليل كقوله :

وإن أتاه خليل يوم مسغبة *** يقول لا غائب ما لي ولا حرم

وقراءة عبد الله { ودت } يحتملها على السواء إلا أن الحمل على الابتداء والخبر أوقع في المعنى لأنه حكاية الكائن في ذلك اليوم { ويحذركم الله نفسه } تأكيد للوعيد { والله رؤوف بالعباد } قال الحسن : ومن رأفته أن حذرهم نفسه وعرّفهم كمال علمه وقدرته ، وأنه يمهل ولا يهمل ، ورغبهم في استيجاب رحمته ، وحذرهم من استحقاق غضبه . ويجوز أن يراد أنه رؤوف بهم حيث أمهلهم للتوبة والتلافي ، أو هو وعد كما أن التحذير وعيد ، أو المراد بالعباد عباده المخلصون كقوله :{ عيناً يشرب بها عباد الله }[ الدهر : 6 ] كما هو منتقم من الفساق ومحذرهم نفسه فهو رؤوف بالعباد المطيعين والمحسنين .

/خ34