{ فنادته الملائكة } ظاهر اللفظ للجمع وهذا في باب التشريف أعظم . ثم ما روي أن المنادي كان جبريل فالوجه فيه أنه كقولهم " فلان يركب الخيل ويأكل الأطعمة النفيسة " أي يركب من هذا الجنس ويأكل منه . أو لأن جبريل كان رئيس الملائكة وقلما يبعث إلا ومعه آخرون .
{ يبشرك بيحيى } يحتمل أن يكون زكريا قد عرف أنه سيكون في الأنبياء رجل اسمه يحيى وله درجة عالية . فإذا قيل له : إن ذلك النبي المسمى بيحيى هو ولدك كان بشارة له ، ويحتمل أن يكون المعنى يبشرك بولد اسمه يحيى كما يجيء في سورة مريم { إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى }[ مريم : 7 ] وإنه اسم أعجمي كموسى وعيسى ، ومن جوز أن يكون عربياً فمنع صرفه للعلمية ووزن الفعل كيعمر . ثم إنه تعالى وصف يحيى بصفات منها : قوله { مصدقاً بكلمة من الله } وهو نصب على الحال لأنه نكرة و " يحيى " معرفة . قال أبو عبيدة : أي مؤمناً بكتاب الله . وسمي الكتاب كلمة كما قيل : " كلمة الحويدرة " لقصيدته . والجمهور على أن المراد بكلمة من الله هو عيسى . قال السدي : لقيت أم يحيى أم عيسى وهما حاملان بهما . فقالت : يا مريم أشعرت أني حبلى ؟ فقالت مريم : وأنا أيضاً حبلى . قالت امرأة زكريا : فإني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك فذاك قوله : { مصدقاً بكلمة من الله } وقال ابن عباس : إن يحيى أكبر سناً من عيسى بستة أشهر ، وكان يحيى أول من آمن به وصدّق بأنه كلمة الله وروحه ، ثم قتل يحيى قبل رفع عيسى . وسمي عيسى كلمة الله لأنه لم يوجد إلا بكلمة الله وهي " كن " من غير واسطة أب وزرع كما يسمى المخلوق خلقاً والمرجو رجاء ، أو لكونه متكلماً في أوان الطفولية ، أو لأنه منشأ الحقائق والأسرار كالكلمة ، ولهذا سمي روحاً أيضاً لأنه سبب حياة الأرواح . وقد يقال للسلطان العادل ظل الله ونور الله لأنه سبب ظهور ظل العدل ونور الإحسان ، أو لأنه وردت البشارة به في كلمات الأنبياء وكتبهم كما لو أخبرت عن حدوث أمر ، ثم إذا حدث قلت قد جاء قولي أو كلامي أي ما كنت أقول أو أتكلم به . ومنها قوله : { وسيداً } والسيد الذي يفوق قومه في الشرف . وكان يحيى فائقاً لقومه بل للناس كلهم في الخصال الحميدة . وقال ابن عباس : السيد الحليم . وقال ابن المسيب : الفقيه العالم . وقال عكرمة : الذي لا يغلبه الغضب . ومنها قوله : { وحصوراً } قيل : أي محصوراً عن النساء لضعف في الآلة ، وزيف بأنه من صفات النقص فلا يليق في معرض المدح . والمحققون على أنه فعول بمعنى فاعل وهو الذي لا يأتي النسوان لا للعجز بل للعفة والزهد وحبس النفس عنهن ، وفيه دليل على أن ترك النكاح كان أفضل من تلك الشريعة ، فلولا أن الأمر بالنكاح والحث عليه وارد في شرعنا كان الأصل بقاء الأمر على ما كان . ومنها قوله : { ونبياً } واعلم أن السيادة لا تتم إلا بالقدرة على ضبط مصالح الخلق فيما يرجع إلى الدين والدنيا . والحصور إشارة إلى الزهد التام وهو منع النفس عما لا يعنيه . روي أنه مر وهو طفل بصبيان يلعبون فدعوه إلى اللعب فقال : ما للعب خلقت . فقوله :
{ ونبياً } أشار به إلى ما عدا مجموع الأمرين فإنه ليس بعدهما إلا النبوة .
ثم قال : { ومن الصالحين } أي من أولادهم لأنه كان من أصلاب الأنبياء أو كائناً من جملة الصالحين كقوله :{ وإنه في الآخرة لمن الصالحين }[ البقرة : 130 ] أو لأن صلاحه كان أتم بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : " ما من نبي إلا وقد عصى أو هم بمعصية غير يحيى بن زكريا فإنه لم يعص ولم يهم " وفيه أن الختم على الصلاح هو الغرض الأعظم والغاية القصوى وإن كان نبياً ، ولهذا قال سليمان بعد حصول النبوة
{ وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين }[ النمل : 19 ] وقال يوسف :{ توفني مسلماً وألحقني بالصالحين }[ يوسف : 101 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.