غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهِ إِلَيۡكَۚ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ يُلۡقُونَ أَقۡلَٰمَهُمۡ أَيُّهُمۡ يَكۡفُلُ مَرۡيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ يَخۡتَصِمُونَ} (44)

42

{ ذلك } الذي سبق من أنباء حنة وزكريا ويحيى ومريم من أخبار الغيب { نوحيه إليك } قد ورد الكتاب بالإيحاء على معان مختلفة يجمعها تعريف الموحى إليه بأمر خفي من إشارة أو كتابة أو غيرها .

وبهذا التفسير يعد الإلهام وحياً كقوله :{ وأوحى ربك إلى النحل }[ النحل : 68 ] وقال :{ وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم }[ الأنعام : 121 ] وقال :{ فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشياً }[ مريم : 11 ] فلما كان الله سبحانه ألقى هذه الأنباء إلى النبي بواسطة جبريل بحيث تخفى على غيره سماه وحياً { وما كنت لديهم } نفيت المشاهدة وانتفاؤها معلوم ، وترك نفي استماع الأنباء حفظتها وهو موهوم لأنه كان معلوماً عندهم علماً يقيناً أنه ليس من أهل السماع والقراءة وكانوا منكرين للوحي فلم يبق إلا المشاهدة الممتنعة في حقه صلى الله عليه وسلم فنفيت على سبيل التهكم بالمنكرين للوحي ، ومثله في القرآن غير عزيز { وما كنت بجانب الغربي }[ القصص : 44 ]{ وما كنت بجانب الطور }[ القصص : 46 ] { إذ يلقون أقلامهم } ينظرون أو ليعلموا أو يقولون { أيهم يكفل مريم } حذف متعلق الاستفهام لدلالة الإلقاء عليه . وظاهر الآية يدل على أنهم كانوا يلقون الأقلام في شيء على وجه يظهر به امتياز بعضهم عن البعض في استحقاق ذلك المطلوب ، وليس فيها دلالة على كيفية ذلك الإلقاء إلا إنه روي في الخبر أنهم كانوا يلقونها في الماء بشرط أن من جرى قلمه على خلاف جري الماء فاليد له . ثم إنه حصل هذا المعنى لزكريا فصار أولى بكفالتها . وقيل : عرف برسوب الأقلام وارتفاعها كما مر . وعن الربيع أنهم ألقوا عصيهم في الماء الجاري فجرت عصا زكريا على ضد جرية الماء فغلبهم . وقال أبو مسلم : المراد بإلقاء الأقلام ما كانت تفعله الأمم من المساهمة عند التنازع ، فيطرحون سهاماً يكتبون عليها أسماءهم . فمن خرج له السهم سلم له الأمر . قال تعالى :{ فساهم فكان من المدحضين }[ الصافات : 141 ] وهو شبيه بالقداح التي يتقاسم بها العرب لحم الجزور . وإنما سميت تلك السهام أقلاماً لأنها تقلم وتبرى . قال القاضي : وقوع لفظ القلم على هذه الأشياء وإن كان صحيحاً نظراً إلى أصل الاشتقاق إلا أن العرف الظاهر يوجب اختصاص القلم بهذا الذي يكتب به فوجب حمل اللفظ عليه . { وما كنت لديهم إذ يختصمون } يتنازعون على التكفل . قيل : هم خزنة البيت . وقيل : بل العلماء والأحبار وكتاب الوحي . ولا شبهة في أنهم كانوا من الخواص وأهل الفضل في الدين والرغبة في طريق الخير . ثم المراد بهذا الاختصام يحتمل أن يكون ما كان قبل الاقتراع وأن يكون اختصاماً آخر حصل بعد الاقتراع . وبالجملة فالمقصود شدة رغبتهم في التكفل بشأنها والقيام بإصلاح مهامها ، إما لأن عمران كان رئيساً لهم فأرادوا قضاء حقوقه ، وإما لأجل الدين حيث كانت محررة لخدمة بيت العبادة وإما لأنهم وجدوا في الكتب الإلهية أن لها ولابنها شأناً .

/خ60