غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّيٓ ءَايَةٗۖ قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمۡزٗاۗ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ كَثِيرٗا وَسَبِّحۡ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ} (41)

35

ثم إنه صلى الله عليه وسلم لفرط سروره وثقته بكرم ربه وإنعامه سأل عن تعيين الوقت فقال : { رب اجعل لي آية } علامة أعرف بها العلوق فإن ذلك لا يظهر من أوّل الأمر فقال تعالى : { آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام } أي بلياليها ولهذا ذكر في سورة مريم { ثلاث ليال }[ مريم : 10 ] ومعنى قوله : { ألا تكلم الناس } قال المفسرون : أي لا تقدر على التكلم . حبس لسانه عن أمور الدنيا وأقدره على الذكر والتسبيح ليكون في تلك المدة مشتغلاً بذكر الله وبالطاعة وبالشكر على تلك النعمة الجسمية ، فيصير الشيء الواحد علامة على المقصود وأداء لشكر النعمة فيكون جامعاً للمقاصد . وفي هذه الآية إعجاز من وجوه منها : القدر على التكلم بالتسبيح والذكر مع العجز عن التكلم بكلام البشر . ومنها العجز مع سلامة البنية واعتدال المزاج . ومنها الإخبار بأنه متى حصلت هذه الحالة فقد حصل الولد . ثم إن الأمر وقع على وفق هذا الخبر . وعن قتادة أنه صلى الله عليه وسلم عوتب بذلك حيث سأل بعد بشارة الملائكة فأخذ لسانه وصبر بحيث لا يقدر على الكلام . قلت : وأحسن العتاب ما كان منتزعاً من نفس الواقعة ومناسباً لها . وفيه لطيفة أخرى وهي أنه طلب الآية على الإطلاق فاحتمل أن يكون قد طلب علامة للعلوق ، واحتمل أن يكون قد طلب دلالة على إحداث الخوارق ليصير علم اليقين عين اليقين ، فصار حبس لسانه آية العلوق ودلالة على الفعل الخارق جميعاً مع مناسبته للواقعة حيث سأل ما كان من حقه أن لا يسأل . وزعم أبو مسلم أن المعنى : آيتك أن تصير مأموراً بعدم التكلم ولكن بالاشتغال بالذكر والتسبيح { إلا رمزاً } إشارة بيد أو رأس أو بالشفتين ونحوها . وأصل التركيب للتحرك يقال : ارتمز إذا تحرك ومنه الراموز للبحر ، وهو استثناء من قوله : { ألا تكلم } وجاز وإن لم يكن الرمز من جنس الكلام لأن مؤدّاه مؤدى الكلام ، ويجوز أن يكون استثناء منقطعاً . وقيل : الرمز الكلام الخفي . وعلى هذا فالاستثناء متصل من غير تكلف . وقرأ يحيى بن وثاب { إلا رمزاً } بضمتين جميع رموز كرسول ورسل وقرئ { رمزاً } بفتحتين جمع رامز كخادم وخدم وهو حال منه ومن الناس دفعة بمعنى إلا مترامزين كما يكلم الناس الأخرس بالإشارة ويكلمهم { واذكر ربك كثيراً } قيل : إنه لم يكن عاجزاً إلا عن تكليم البشر . وقيل : المراد الذكر بالقلب وإنه كان عاجزاً عن التكلم مطلقاً { وسبح } حمله بعضهم على صلّ كيلا يكون تكراراً للذكر . وقد تسمى الصلاة تسبيحاً { فسبحان الله حين تمسون }[ الروم : 17 ] لاشتمالها عليه . والعشيّ مصدر على " فعيل " وهو من وقت زوال الشمس إلى غروبها . والإبكار من طلوع الفجر إلى الضحى وهو مصدر أبكر يبكر إذا خرج للأمر من أول النهار ، ومنه الباكورة لأول الثمار . وقرئ بفتح الهمزة جمع بكر كسحر وأسحار .

/خ41