ثم إنه صلى الله عليه وسلم لفرط سروره وثقته بكرم ربه وإنعامه سأل عن تعيين الوقت فقال : { رب اجعل لي آية } علامة أعرف بها العلوق فإن ذلك لا يظهر من أوّل الأمر فقال تعالى : { آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام } أي بلياليها ولهذا ذكر في سورة مريم { ثلاث ليال }[ مريم : 10 ] ومعنى قوله : { ألا تكلم الناس } قال المفسرون : أي لا تقدر على التكلم . حبس لسانه عن أمور الدنيا وأقدره على الذكر والتسبيح ليكون في تلك المدة مشتغلاً بذكر الله وبالطاعة وبالشكر على تلك النعمة الجسمية ، فيصير الشيء الواحد علامة على المقصود وأداء لشكر النعمة فيكون جامعاً للمقاصد . وفي هذه الآية إعجاز من وجوه منها : القدر على التكلم بالتسبيح والذكر مع العجز عن التكلم بكلام البشر . ومنها العجز مع سلامة البنية واعتدال المزاج . ومنها الإخبار بأنه متى حصلت هذه الحالة فقد حصل الولد . ثم إن الأمر وقع على وفق هذا الخبر . وعن قتادة أنه صلى الله عليه وسلم عوتب بذلك حيث سأل بعد بشارة الملائكة فأخذ لسانه وصبر بحيث لا يقدر على الكلام . قلت : وأحسن العتاب ما كان منتزعاً من نفس الواقعة ومناسباً لها . وفيه لطيفة أخرى وهي أنه طلب الآية على الإطلاق فاحتمل أن يكون قد طلب علامة للعلوق ، واحتمل أن يكون قد طلب دلالة على إحداث الخوارق ليصير علم اليقين عين اليقين ، فصار حبس لسانه آية العلوق ودلالة على الفعل الخارق جميعاً مع مناسبته للواقعة حيث سأل ما كان من حقه أن لا يسأل . وزعم أبو مسلم أن المعنى : آيتك أن تصير مأموراً بعدم التكلم ولكن بالاشتغال بالذكر والتسبيح { إلا رمزاً } إشارة بيد أو رأس أو بالشفتين ونحوها . وأصل التركيب للتحرك يقال : ارتمز إذا تحرك ومنه الراموز للبحر ، وهو استثناء من قوله : { ألا تكلم } وجاز وإن لم يكن الرمز من جنس الكلام لأن مؤدّاه مؤدى الكلام ، ويجوز أن يكون استثناء منقطعاً . وقيل : الرمز الكلام الخفي . وعلى هذا فالاستثناء متصل من غير تكلف . وقرأ يحيى بن وثاب { إلا رمزاً } بضمتين جميع رموز كرسول ورسل وقرئ { رمزاً } بفتحتين جمع رامز كخادم وخدم وهو حال منه ومن الناس دفعة بمعنى إلا مترامزين كما يكلم الناس الأخرس بالإشارة ويكلمهم { واذكر ربك كثيراً } قيل : إنه لم يكن عاجزاً إلا عن تكليم البشر . وقيل : المراد الذكر بالقلب وإنه كان عاجزاً عن التكلم مطلقاً { وسبح } حمله بعضهم على صلّ كيلا يكون تكراراً للذكر . وقد تسمى الصلاة تسبيحاً { فسبحان الله حين تمسون }[ الروم : 17 ] لاشتمالها عليه . والعشيّ مصدر على " فعيل " وهو من وقت زوال الشمس إلى غروبها . والإبكار من طلوع الفجر إلى الضحى وهو مصدر أبكر يبكر إذا خرج للأمر من أول النهار ، ومنه الباكورة لأول الثمار . وقرئ بفتح الهمزة جمع بكر كسحر وأسحار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.