ثم لما أجاب عن شبه اليهود خاطب النصارى ومنعهم عن الغلو في الدين وهو الإفراط في شأن المسيح إلى أن اعتقدوه إلهاً لا نبياً ، وحثهم على أن لا يقولوا على الله إلاّ الحق الذي يحق ويجب وصفه به وهو تنزيهه عن الحلول في بدن إنسان والاتحاد بروحه واتخاذه لصاحبه وولد { إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته } وجد بأمره من غير واسطة أب ولا نطفة { ألقاها } أي الكلمة { إلى مريم } أي أوصلها إليها وحصلها فيها { وروح منه } أي إنه ظاهر نظيف بمنزلة الروح كما يقال : هذه نعمة من الله ، أو سمي بذلك لأنه سبب حياة الأرواح أو كمالها كما سمي القرآن روحاً في قوله :{ وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا }[ الشورى :52 ] وقيل : أي رحمة منه كقوله :{ وأيدهم بروح منه }[ المجادلة :22 ] ولا شك أن وجود النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للأمة قال تعالى :{ وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين }[ الأنبياء :107 ] وقال صلى الله عليه وسلم : " إنما أنا رحمة مهداة " وقيل : الروح هو الريح يعني أن النفخ من جبريل كان بأمر الله تعالى فهو منه والتنكير للتعظيم أي روح من الأرواح الشريفة القدسية العالية . وقوله : { منه } إضافة لذلك الروح إلى نفسه لأجل التشريف . { فآمنوا بالله ورسله } أي آمنوا به كإيمانكم بسائر الرسل ولا تجعلوه إلهاً { ولا تقولوا ثلاثة } هي خبر مبتدأ محذوف أي الله ثلاثة إن كان معتقدهم أن الذات جوهر واحد وأنه ثلاثة بالصفات ويسمونها الأقانيم أقنوم الأب وأقنوم الابن وأقنوم روح القدس ، وربما يقولون أقنوم الذات وأقنوم العلم وأقنوم الحياة ، أو الآلهة ثلاثة إن كان في اعتقادهم أنها ذوات قائمة بأنفسها الأب والأم والابن . ولعل القولين مرجعهما إلى واحد لأنهم إذا جوزوا على الصفات الانتقال والحلول في عيسى وفي مريم فقد جعلوها مستقلة بأنفسها ولهذا لزم الكفر والشرك ، وإلا فمجرد إثبات الصفات لله تعالى لا يوجب الشرك . فالأشاعرة أثبتوا لله تعالى ثمان صفات قدماء . { انتهوا } عن التثليث واقصدوا { خيراً لكم إنما الله إله واحد } لا تركيب فيه بوجه من الوجوه { سبحانه أن يكون له ولد } أسبحه تسبيحاً وأنزهه تنزيهاً من أن يكون له ولد فلا يتصل به عيسى اتصال الأبناء بالآباء ولكن من حيث إنه عبده ورسوله موجود بأمر جسداً حياً من غير أب { له ما في السماوات وما في الأرض } فكيف يكون بعض ملكه جزءاً منه على أن الجزء إنما يصح في المنقسم عقلاً أو حساً ، وإنه لا ينقسم بجهة من الجهات لا العقلية ولا الحسية . { وكفى بالله وكيلاً } وإذا كان كافياً في تدبير المخلوقات وحفظ المحدثات فلا حاجة معه إلى القول بإثبات إله آخر مستقل أو مشارك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.