غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَسۡتَفۡتُونَكَ قُلِ ٱللَّهُ يُفۡتِيكُمۡ فِي ٱلۡكَلَٰلَةِۚ إِنِ ٱمۡرُؤٌاْ هَلَكَ لَيۡسَ لَهُۥ وَلَدٞ وَلَهُۥٓ أُخۡتٞ فَلَهَا نِصۡفُ مَا تَرَكَۚ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهَا وَلَدٞۚ فَإِن كَانَتَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَۚ وَإِن كَانُوٓاْ إِخۡوَةٗ رِّجَالٗا وَنِسَآءٗ فَلِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۗ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ أَن تَضِلُّواْۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ} (176)

170

ثم إنه سبحانه ختم السورة بنحو مما بدأها به وهو أحكام المواريث فقال : { يستفتونك } الآية .

قال أهل العلم : إنّ الله تعالى أنزل في الكلالة آيتين إحداهما في الشتاء وهي التي في أول هذه السورة ، والأخرى في الصيف وهي هذه ولهذا تسمى آية الصيف . عن جابر قال : اشتكيت فدخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي سبع أخوات فنفخ في وجهي فأفقت فقلت : يا رسول الله أوصي لأخواتي بالثلث . قال : أحسن . فقلت : الشطر ؟ قال : أحسن . ثم خرج وتركني قال : ثم دخل فقال : يا جابر إني لا أراك تموت في وجعك هذا وإن الله قد أنزل فبيّن الذي لأخواتك وجعل لأخواتك الثلثين . وروي أنه آخر ما نزل من الأحكام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق مكة عام حجة الوداع فأتاه جابر بن عبد الله فقال : إن لي أختاً فكم آخذ من ميراثها إن ماتت ؟ فنزلت . هذا وقد تقدم أن الكلالة اسم يقع على الوارث وهو من عد الوالد والولد وعلى المورث وهو الذي لا ولد له ولا والدين . { إن امرؤ هلك } ارتفع { امرؤ } بمضرم يفسره هذا الظاهر ، ومحل { ليس له ولد } الرفع على الصفة أي إن هلك امرؤ وغير ذي ولد . اعلم أن ظاهر الآية مطلق ولا بد فيه من تقييدات ثلاثة : الأول أن الولد مطلق والمراد به الابن لأنه هو الذي يسقط الأخت ، وأما البنت فلا تسقطها ولكنها تعصبها لما روي عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في بنت وبنت ابن وأخت بأن للبنت النصف ولبنت الابن السدس والباقي للأخت . فعلى هذا فلو خلف بنتاً وأختاً فللبنت النصف والباقي للأخت بالعصوبة . الثاني أن ظاهر الآية يقتضي أنه إذا لم يكن للميت ولد فإن الأخت تأخذ النصف وليس كذلك على الإطلاق ، بل الشرط أن لا يكون للميت ولد ولا والد لأن الأخت لا ترث مع الوالد بالإجماع . الثالث قوله : { وله أخت } المراد الأخت من الأب والأم أو من الأب لأن الأخت من الأم والأخ من الأم ذكر حكمهما في أول السورة بالإجماع . ثم قال : { وهو يرثها } أي وأخوها يرثها ويستغرق مالها إن قدر الأمر على العكس من موتها وبقائه بعدها { إن لم يكن لها ولد } أي ابن كما قلنا لأن الابن يسقط الأخ دون البنت . وأيضاً إن هذا في الأخ من الأبوين أو من الأب ، أما الأخ من الأم فإنه لا يستغرق الميراث . وأيضاً المراد إن لم يكن لها ولد ولا والد لأن الأب أيضاً مسقط للأخ لقوله صلى الله عليه وسلم : " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى عصبة ذكر " والأب أولى من الأخ . ثم قال : { وإن كانتا } يعني من يرث بالإخوة { اثنتين } فأنث وثنى باعتبار الخبر كقولهم من كانت أمك وكذا الكلام في قوله : { وإن كانوا إخوة } وأراد بالإخوة الإخوة والأخوات لكنه غلب جانب الذكورة .

روي أن الصديق قال في خطبة : ألا إنّ الآيات التي أنزلها الله في سورة النساء في الفرائض أولاها في الوالد والولد ، وثانيتها في الزوج والزوجة والإخوة من الأم ، والتي ختم بها السورة في الإخوة والأخوات من الأب والأم ، والتي ختم بها الأنفال في أولي الأرحام { يبين الله لكم أن تضلوا } قال البصريون : المضاف محذوف أي كراهة أن تضلوا . وقال الكوفيون : لئلا تضلوا . وقال الجرجاني صاحب النظم : يبين الله لكم الضلالة لتعلموا أنها ضلالة فتتجنبوها { والله بكل شيء عليم } فيكون بيانه حقاً وتعريفه صدقاً . ختم السورة ببيان كمال العلم كما أنه ابتدأها بكمال القدرة فبهما تتم الإلهية ويحصل الترهيب والترغيب للعاصي والمطيع والله المستعان .

/خ176