غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞وَلَقَدۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَبَعَثۡنَا مِنۡهُمُ ٱثۡنَيۡ عَشَرَ نَقِيبٗاۖ وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمۡۖ لَئِنۡ أَقَمۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَيۡتُمُ ٱلزَّكَوٰةَ وَءَامَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرۡتُمُوهُمۡ وَأَقۡرَضۡتُمُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ فَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} (12)

12

التفسير : إنه سبحانه لما خاطب المؤمنين بذكر نعمته وميثاقه أردفه ذكر ميثاق بني إسرائيل ونقضهم إياه ثم لعنهم بسبب ذلك تحذيراً لهذه الأمة من مثل ما فعلوا وفعل بهم . وبوجه آخر لما ذكر غدر اليهود وأنهم أرادوا إيقاع الشر بالنبي صلى الله عليه وسلم لولا دفع الله تعالى ، أردفه بذكر سائر فضائحهم ليعلم أن ذلك لم يزل هجيراهم . والنقيب العريف " فعيل " بمعنى " فاعل " لأنه ينقب عن أحوال القوم فيكون شاهدهم وضمينهم . وقال أبو مسلم : بمعنى " مفعول " يعني اختارهم على علم بهم . وأصل النقب الطريق في الجبل . ونقب البيطار سرة الدابة ليخرج منها ماء أصفر . والمناقب الفضائل لأنها لا تظهر إلاّ بالنقب عنها . ويقال : كلب نقيب وهو أن ينقب حنجرته لئلا يرفع صوت نباحه ، وإنما يفعل ذلك البخلاء من العرب لئلا يطرقهم ضيق . قال مجاهد والكلبي والسدي : إن الله تعالى اختار من كل سبط من أسباط بني إسرائيل رجلاً يكون نقيباً لهم وحاكماً فيهم . ثم إنهم بعثوا إلى مدينة الجبارين لينقبوا عن أحوالهم فرأوا أجراماً عظيمة فهابوا ورجعوا وحدثوا قومهم وقد نهاهم موسى عليه السلام أن يحدثوهم فنكثوا الميثاق إلاّ رجلين منهم . ومعنى { إني معكم } إني ناصركم ومعينكم والتقدير : وقال الله لهم . فحذف الرابط للعلم به . والخطاب للنقباء أو لكل بني إسرائيل . والحاصل إني معكم بالعلم والقدرة فأسمع كلامكم وأرى أفعالكم وأعلم ضمائركم وأقدر على إيصال الجزاء إليكم . فهذه مقدمة معتبرة جداً في الترغيب والترهيب . ثم ذكر بعدها جملة شرطية مقدمها مركب من خمسة أمور والجزاء هو قوله : { لأكفرن } وهو إشارة إلى إزالة العقاب .

وقوله : { ولأدخلنكم } وهو إشارة إلى إيصال الثواب . واللام في { لئن أقمتم } موطئة للقسم وفي { لأكفرن } جواب له ولكنه سد مسد جواب الشرط أيضاً . والعزر في اللغة الرد ومنه التعزير التأديب لأنه يرده عن القبيح ولهذا قال الأكثرون : معنى { عزرتموهم } نصرتموهم لأن نصر الإنسان رد أعدائه عنه . ولو كان التعزير هو التوقير لكان قوله :{ وتعزروه وتوقروه }[ الفتح :9 ] تكراراً . وههنا أسئلة : لم أخر الإيمان بالرسل عن إقامة الصلاة إيتاء الزكاة مع أن الإيمان مقدم على الأعمال ؟ وأجيب بعد تسليم أن الواو للترتيب بأن اليهود كانوا معترفين بأن النجاة مربوطة بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة إلاّ أنهم كانوا مصرين على تكذيب بعض الرسل فذكر أنه لا بد بعد الصلاة والزكاة من الإيمان بجميع الرسل وإلاّ لم يكن لتلك الأعمال أثر . قلت : يحتمل أن يكون التقدير وقد آمنتم أو أخر الإيمان عن العمل تنبيهاً على أن الإيمان إنما يقع معتداً به إذا اقترن به العمل كقوله { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى }[ طه :82 ] أو هو من القلب الذي يشجع عليه أمن الإلباس ، أو لعل اليهود كانوا مقصرين في الصلاة والزكاة فكان ذكرهما أهم . سؤال آخر ما الفائدة في قوله : { وأقرضتم } بعد قوله : { وآتيتم الزكاة } ؟ وأجيب بأن الإقراض أريد به الصدقات المندوبة . قال الفراء : ولو قال وأقرضتم الله إقراضاً حسناً لكان صواباً أيضاً إلاّ أنه أقيم الاسم مقام المصدر مثل { وأنبتها نباتاً حسناً }[ آل عمران : 37 ] . آخر لم قال : { فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل } فإن من كفر قبل ذلك أيضاً فقد أخطأ الطريق المستقيم الذي شرعه الله لهم ؟ والجواب أجل ، ولكن الضلال بعد الشرط المؤكد المعلق به الوعيد العظيم أشنع فلهذا خص بالذكر .

/خ19