غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَأُزۡلِفَتِ ٱلۡجَنَّةُ لِلۡمُتَّقِينَ غَيۡرَ بَعِيدٍ} (31)

1

وكذا الترقي في مدارج الكمالات ليس ينتهي إلى حدّ معلوم إلا إذا استغرق في بحر العرفان وكان هنالك ما كان كما قال { وأزلفت الجنة للمتقين } أي قربت للمتقين يحتمل أن تكون الواو للاستئناف وأن تكون للعطف على { نقول } والمضي لتحقيق الوقوع المستدعي لمزيد البشارة ولم يكن المنذرون مذكورين في الآية المتقدّمة فلم يحتج إلى تحقيق الإنذار . وقوله { غير بعيد } نصب على الظرف أي مكاناً غير بعيد عنهم ، أو على الحال . ووجه تذكيره مع تأنيث ذي الحال كما تقرر في قوله { إن رحمة الله قريب } [ الأعراف : 56 ] أنه على زنة المصدر كالزفير والصهيل ، أو هو على حذف الموصوف أي شيئاً غير بعيد . قال جار الله : معناه التوكيد كما تقول هو قريب غير بعيد وعزيز غير ذليل ، وذلك أنه يجوز أن يتناول العزيز ذلّ ما من بعض الوجوه إلا أن الغالب عليه العز فإذا قيل عزيز غير ذليل أزيل ذلك الوهم ، وهكذا في كل تأكيد . فمعنى الآية أن الجنة قريب منهم بكل الوجوه وجميع المقايسات . وقال آخرون : إنه صفة مصدر محذوف أي إزلافاً غير بعيد عن قدرتنا ، وذلك إن المكان لا يقرب وإنما يقرب منه فذكر الله سبحانه إن إزلاف المكان ليس ببعيد عن قدرتنا بطيّ المسافة وغير ذلك . ويحتمل أن يقال : الإزلاف بمعنى قرب الحصول كمن يطلب من الملك أمراً خطيراً فيقول الملك بعيد عن ذلك أو قريب منه ، ولا ريب أن الجنة بعيدة الحصول للمكلف لولا فضل الله ورحمته ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يدخل الجنة إلا بفضل الله . فقيل : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته " وقوله { غير بعيد } يراد به القرب المكاني كأنه تعالى ينقل الجنة من السماء إلى الأرض فيحصل فيها المؤمن . ومما سنح لهذا الضعيف وقت كتبه تفسير هذه الآية أن الشيء ربما يقرب من شخص ولكن لا يوهب منه ، وقد يملكه ولكن لا يكون قريباً منه فذكر الله سبحانه في الآية إن الجنة تقرب لأجل المتقين غير بعيد الحصول لهم بل كما قربت دخلوها وحصلوا فيها لا كما قيل :

على أن قرب الدار ليس بنافع *** إذا كان من تهواه ليس بذي ود

وفي المثل البعيد القريب خير من القريب البعيد وذلك لأنهم حصلوا استعداد دخول الجنة وهو التقوى بخلاف الفاجر فإنه لا ينفعه القرب من الجنة لأن ملكاته الذميمة تحول بينه وبينها . ولك أن تشبه حالهما بحال الكبريت الجيد والحطب الرطب إذا قربا من الجمر ، وذلك أن تعتبر هذه الحالة في الدنيا فإن أهل الصلاح وأرباب النفوس المطمئنة يقبلون بل يستقبلون كل خير يعرض عليهم ، وأهل الشقاوة وأصحاب النفوس الأمارة يكون حالهم بالعكس يفرون من الخيرات والكمالات ويألفون الشرور واللذات الزائلات . ووجه آخر وهو أن الجنة قربت لهم حال كون كل واحد منهم غير بعيد عن لقاء الله ورضاه ، وفيه أن المتقين هم أهل الله وخاصته ليسوا بمن شغلوا بالجنة عن الاستغراق في لجة العرفان بل لهم مع النعيم المقيم لقاء الرب الكريم .

/خ45