اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأُزۡلِفَتِ ٱلۡجَنَّةُ لِلۡمُتَّقِينَ غَيۡرَ بَعِيدٍ} (31)

قوله تعالى : { وَأُزْلِفَتِ الجنة } قربت وأدنيت{[52474]} وقوله : «غَيْرَ بَعِيدٍ » يجوز أن يكون حالاً من «الجنة » ولم يؤنث ؛ لأنها بمعنى البُسْتَان ، أو لأن «فَعِيلاً » لا يؤنث ؛ لأنه بزنة المصادر ، قاله الزمخشري{[52475]} ومنعه أبو حيان{[52476]} ، وقد تقدم في قوله : { إِنَّ رَحْمَةَ الله قَرِيبٌ } [ الأعراف : 56 ] ويجوز أن يكون منصوباً على الظرف المكاني ، أي{[52477]} مكاناً غير بعيد ، ويجوز أن يكون نعتاً لمصدر محذوف أي إزلافاً غير بعيد ، وهو ظاهر عبارة الزمخشري ، فإنه قال : أو شيئاً غير بعيد{[52478]} .

فإن قيل : ما وجه التقريب مع أن الجنة مكانٌ ، والأمكنة يقرب منها وهي لا تقرب ؟ فالجواب من وجوه :

الأول : أن الجنة لا تزال ولا يؤمر المؤمن في ذلك اليوم بالانْتِقَال إليها مع بعدها لكن الله تعالى يطوي المسافة التي بين المؤمن والجنة فهو التقريب .

فإن قيل : فعلى هذا ليس إزْلاف الجنة من المؤمن بأولى من إزْلاَفِ المؤمنِ من الجنة فما فائدة قوله : «أزلفت الجنة » ؟

فالجواب : أن ذلك إكرام للمؤمن وبيان لشرفه ، وأنه مِمَّنْ يمشى إليه .

الثاني : قربت من الحصول في الدخول لا بمعنى القرب المكاني .

الثالث : أن الله تعالى قادر على نقل الجنة من السماء إلى الأرض فيقربها للمؤمن ويحتمل أنها أُزْلِفَتْ بمعنى جَمَعَت محاسنها ، لأنها مخلوقة ، وإما بمعنى قرب الحصول لها لأنها تنال بكلمة وحسنة وخص المتقين بذلك لأنهم أحقّ بها{[52479]} .


[52474]:قاله ابن قتيبة في الغريب 419 وأبو عبيدة في مجاز القرآن 2/224.
[52475]:الكشاف 4/10 قال: والمصادر يستوي فيها الوصف بالمذكر والمؤنث.
[52476]:أوضح أبو حيان كلامه قائلا: "يعني بعيد، لأنه على زنة المصدر كالصّليل، والزئير، والمصادر يستوي في الوصف بها المذكر والمؤنث قال: وكونه على وزن المصدر لا يسوغ أن يكون المذكر صفة للمؤنث". أقول: ورد أبي حيان على الزمخشري ضعيف حيث ورد القرآن به في قوله: "إن رحمة الله قريب من المحسنين".
[52477]:وهو قول الزمخشري ثم أبي حيان في مرجعيهما السابقين.
[52478]:الكشاف المرجع السابق.
[52479]:انظر تفسير الإمام 28/174 و175.