غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا شَيَٰطِينَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ يُوحِي بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورٗاۚ وَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُۖ فَذَرۡهُمۡ وَمَا يَفۡتَرُونَ} (112)

111

ثم قال : { وكذلك } قيل : إنه منسوق على قوله : { وكذلك زينا } [ الأنعام : 108 ] أي وكما زينا لكل أمة عملهم { جعلنا } وقيل : إن المشار إليه محذوف أي وكما خلينا بينك وبين أعدائك كذلك فعلنا بمن قبلك من الأنبياء وأعدائهم ، لم نمنعهم من العداوة لما فيه من الامتحان الذي هو سبب ظهور الثبات والصبر وكثرة الثواب والأجر . قالت الأشاعرة : لا شك أن تلك العداوة معصية وكفر ، وأن جعلها شرفاً لآية تدل على أن خالق الخير والشر والطاعة والمعصية والإيمان والكفر هو الله . قال الجبائي : المراد بهذا الجعل أنه حكم وبين فإن الرجل إذا حكم بكفر إنسان قيل إنه كفره ، وإذا أخبر عن عدالته قيل عدله . وقال الكعبي : إنه أمر الأنبياء بعداوتهم وأعلمهم بكونهم أعداء لهم فاقتضى ذلك أنهم صاروا أعداءً للأنبياء . لأن العداوة تكون من الجانبين . أجاب أبو بكر الأصم بأنه لما أرسل محمداً إلى العالمين وخصه بتلك المعجزات صار ذلك التخصيص سبباً للحسد والعداوة أو للبغضاء فهذا هو المراد بجعلهم أعداء له . وزيف بأن الأفعال مستندة إلى الدواعي وهي من الله تعالى ، وبأن العداوة والمحبة متعلقة بالطبع لا بالإرادة والتكلف فلا يقدر عليها إلا الله تعالى ، وانتصاب { الشياطين } كما مر في قوله : { وجعلوا لله شركاء الجن } [ الأنعام : 100 ] قال الزجاج وابن الأنباري : { عدوّا } في معنى الجمع ، ولقائل أن يقول : لا حاجة إلى هذا التكلف لصحة قولنا : وكذلك جعلنا لكل واحد من الأنبياء عدوّاً واحداً : إذ ليس يجب أن يحصل لكل واحدة من الأنبياء أكثر من عدو واحد . عن ابن عباس : كل عات متمرد من الجن والإنس فهو شيطان . وقال مجاهد وقتادة والحسن : إن من الجن شياطين ومن الإنس شياطين ، وإن شيطان الجن إذا أعياه المؤمن ذهب إلى متمرد من الإنس وهو شيطان الإنس فأغراه بالمؤمن ليعينه عليه . «روي أن النبي صلى الله عليه وسلم وآله قال لأبي ذر : هل تعوّذت بالله من شر شياطين الإنس والجن ؟ قال : قلت : وهل للإنس من شياطين ؟ قال : نعم ، هم شر من شياطين الجن » وقيل : إن الجميع من ولد إبليس إلا أن الذي يوسوس للإنس يسمى شيطان الإنس ، والذي يوسوس للجن يسمى شيطان الجن . وزيف بأن المقصود من الآية الشكاية من سفاهة الكفار الذين هم الأعداء وهم الشياطين . وعن مالك بن دينار أن شيطان الإنس أشدّ عليّ من شيطان الجن لأني إذا تعوّذت بالله ذهب شيطان الجن عني وشيطان الإنس يجيئني فيجرني إلى المعاصي عياناً . ومعنى الإيحاء الإيمان أو القول السريع أي يوسوس شياطين الجن إلى شياطين الإنس ، وكذلك بعض الجن إلى بعض ، وبعض الإنس إلى بعض ، وكأنه لا يتصوّر وسوسة الإنس إلى الجن إلا على تقدير القول بالتسخير . و{ زخرف القول } ما يزينه من القول والوسوسة والإغراء على المعاصي ، والتحقيق فيه أن الإنسان ما لم يعتقد في أمر من الأمور خيرية أو نفعاً لم يرغب فيه . ثم إن كان هذا الاعتقاد مطابقاً للواقع فهو الحق والصدق والإلهام وكان صادراً من الملك وإلا كان مزخرفاً أي يكون باطنه فاسداً وظاهره مزيناً ، قال الواحدي : { غروراً } نصب على المصدر لأن إيحاء الزخرف من القول في معنى الغرور . { ولو شاء ربك ما فعلوه } استدلال الأشاعرة به ظاهر والمعتزلة يحملونه على مشيئة الإلجاء . { فذرهم وما يفترون } منصوب على أنه مفعول معه أو مفعول به أي وافتراءهم أو ما يفترونه . قال ابن عباس : يريد ما زين لهم إبليس وغرهم به ، وفيه تحذير من الكفر وترغيب في الإيمان وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله وتنبيه له على ما أعد للكفرة من العقاب وله من الثواب بسبب صبره على سفاهتهم وتلطفه بهم .

/خ121