التفسير : هذا شروع في تفصيل ما أجمله قوله { أنها إذا جاءت لا يؤمنون } [ الأنعام : 109 ] وكان المستهزؤون بالقرآن خمسة : الوليد بن المغيرة المخزومي والعاصي بن وائل السهمي والأسود بن عبد يغوث الزهري والأسود بن المطلب والحرث بن حنظلة ، أتوا الرسول صلى الله عليه وآله في رهط من أهل مكة فقالوا : أرنا الملائكة يشهدون بأنك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم أحق ما تقول أم باطل ، أو ائتنا بالله والملائكة قبيلاً أي كفيلاً على ما تدعيه ، فنفى الله تعالى عنهم الإيمان وإن أوتوا هذه المقترحات . قال أبو زيد : يقال لقيت فلاناً قبلاً وقبلاً ومقابلة كلها بمعنى واحد وهو المواجهة رواه الواحدي ، وقال أبو عبيدة والفراء والزجاج : قبلاً بكسر القاف معناه معاينة . روي عن أبي ذر قال : قلت للنبي صلى الله عليه وآله : أكان آدم نبياً ؟ قال : نعم ، كان نبياً كلمه الله تعالى قبلاً ، وأما قبلاً بضمتين فقيل : إنه جمع قبيل ومعناه الجماعة تكون من الثلاثة فصاعداً من قوم شتى مثل الروم والزنج والعرب ولهذا قال الأخفش في تفسيره أي قبيلاً قبيلاً . أو معناه الكفيل والعريف من قبل به يقبل قبالة ، والمعنى لو حشرنا عليهم كل شيء فكفلوا بصحة ما يقول ما آمنوا ، وموضع الإعجاز فيه أن الأشياء المحشورة منها ما ينطق ومنها ما لا ينطق ، ومنها حي ومنها ميت ، فإذا حشرها الله تعالى على اختلاف طبائعها مجتمعة في موقف واحد ثم أنطقها وأطبقوا على قبول هذه الكفارة كان ذلك من أعظم المعجزات ، أما قوله تعالى : { ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله } إيمانهم ، فقد قالت الأشاعرة : فلما لم يؤمنوا دل على أنه تعالى ما شاء إيمانهم ، وقالت المعتزلة : لو لم يرد منهم الإيمان لما وجب عليهم الإيمان كما لو لم يأمرهم به لم يجب ، ولو أراد الكفر من الكافر لكان الكافر في كفره مطيعاً لله لأنه لا معنى للطاعة إلا فعل المراد ، ولو جاز من الله تعالى أن يريد الكفر لجاز أن يأمر به ، ولجاز أن يأمرنا بأن نريد الكفر . فالمراد من الآية أنه شاء من الكل الإيمان الاختياري وما شاء الإيمان القهري . والمعنى : ما كانوا ليؤمنوا إيماناً اختيارياً إلا أن يشاء الله مشيئة إكراه واضطرار فحينئذ يؤمنون ، وزيف بأن الاختيار لا بد معه من حصول داعية يترجح بها أحد طرفي الممكن ، ولا تحصل تلك الداعية إلا بتخليق الله تعالى فكأنه لا اختيار . قال الجبائي : قوله : { إلا أن يشاء الله } يدل على حدوث المشيئة إذ لو كانت قديمة وهي الشرط لزم من حصولها حصول المشروط . وأجيب بأنها قديمة إلا أن تعلقها بأحداث المحدث في الحال إضافة حادثة . ثم ختم الآية بقوله : { ولكن أكثرهم يجهلون } قالت الأشاعرة : أي لا يعلمون أن الكل بقضاء الله وبقدره . وقالت المعتزلة : إنهم لا يدرون أنهم يبقون كفاراً عند ظهور الآية التي طلبوها والمعجزات التي اقترحوها فيقسمون بالله جهد أيمانهم على ما لا يشعرون من حال قلوبهم ، أو ولكن أكثر المسلمين يجهلون أن هؤلاء لا يؤمنون إلا أن يضطرهم فيطمعون في إيمانهم الاختياري بمجيء الآيات المقترحات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.