فقال { ذلكم الله } فاسم الإشارة مبتدأ وما بعده أخبار مترادفة أي ذلكم الموصوف الجامع لتلك الصفات المقدسة هو الله إلى آخره . وإنما قال هاهنا { لا إله إلا هو خالق كل شيء } وفي «المؤمن » بالعكس لأنه وقع هاهنا بعد ذكر الشركاء والبنين والبنات فكان رفع الشرك أهم ، وهنالك وقع بعد ذكر خلق السموات والأرض فكان تقديم الخالقية أهم . ثم قال { فاعبدوه } وهو مسبب عن مضمون الجملة المتقدمة يعني أن من استجمعت له هذه الكمالات كان حقيقاً بالعبادة { وهو } مع تلك الصفات { على كل شيء وكيل } يحفظه ويرزقه ويراقبه . قال في التفسير الكبير : إنه سبحانه أقام الدليل على وجود الخالق ، ثم زيف طريق من أثبت له شريكاً وهذا القدر لا يوجب التوحيد المحض لكن للعلماء في إثبات التوحيد طرق منها : أن الدليل قد دل على وجود صانع ، والزائد على الواحد لم يدل دليل على ثبوته فليس عدد أولي من عدد آخر فيلزم آلهة لا نهاية لها ، أو القول بعدد معين بلا ترجيح وكلاهما محال فلم يبق إلا الاكتفاء بواحد وهو المطلوب . ومنها أنا لو قدّرنا إلهين قادرين على كل المقدورات عالمين بكل المعلومات ، فكل فعل يفعله أحدهما صار كونه فاعلاً لذلك الفعل مانعاً للآخر من تحصيل مقدوره وذلك يوجب أن يكون كل واحد يعجز الآخر وهو محال ، وإن كان في أحدهما عجز ونقص لم يصلح للإلهية . ومنها أنا لو فرضنا إلهاً ثانياً فكان إما أن يكون الثاني مشاركاً للأوّل في جميع صفات الكمال أولا . وعلى الأول لا بد أن يحصل الامتياز بأمر وإلا لم يحصل التعدد ، فذلك المميز إن كان من صفات الكمال لم يكن جميع صفات الكمال مشتركة بينهما ، وإن كان من صفات النقص فالموصوف به لا يصلح للإلهية وكذا إن لم يكن الثاني مشاركاً للأوّل في جميع صفات الكمال فثبت التوحيد بهذه الدلائل ، مع أن الدليل النقلي في التوحيد كاف والله أعلم . قالت الأشاعرة : عموم قوله { خالق كل شيء } يدل على أنه خالق أفعال العباد . وقالت المعتزلة : إنما ذكر هذا الكلام في معرض المدح ولكنه لا يتمدح بخلق الزنا والكفر واللواط ، وعورض بالعلم والداعي كما مر مراراً . وأيضاً احتج كثير من المعتزلة به على نفي الصفات وعلى أن القرآن مخلوق . أما الثاني فلأن القرآن شيء فيدخل تحت العموم . وأما الأوّل فلأن الصفات لو كانت موجودة له تعالى لزم أن تكون مخلوقة له . وأجيب بأنكم تخصصون هذا العام بحسب ذاته ضرورة أنه يمتنع أن يكون خالقاً لنفسه وبحسب أفعال العباد ، فنحن أيضاً نخصصه بحسب الصفات وبحسب القرآن . وأما الفرق بين قوله { وخلق كل شيء } وقوله { خالق كل شيء } فذلك لأن الأول يتعلق بالزمان الماضي ، والثاني يتناول الأوقات كلها على سبيل الاستمرار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.