مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَـٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَٱبۡيَضَّتۡ عَيۡنَاهُ مِنَ ٱلۡحُزۡنِ فَهُوَ كَظِيمٞ} (84)

{ وتولى عَنْهُمْ } وأعرض عنهم كراهة لما جاؤوا به { وَقَالَ ياأسفا عَلَى يُوسُفَ } أضاف الأسف وهو أشد الحزن والحسرة إلى نفسه . والألف بدل من ياء الإضافة ، والتجانس بين الأسف ويوسف غير متكلف ونحوه { اثاقلتم إِلَى الأرض أَرَضِيتُم } [ التوبة : 38 ] { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ } [ الأنعام : 26 ] { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا } [ الكهف : 104 ] { مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ } ) النحل : 22 ) وإنما تأسف دون أخيه وكبيرهم لتمادي أسفه على يوسف دون الآخرين ، وفيه دليل على أن الرزء فيه مع تقادم عهده كان غضاً عنده طرياً { وابيضت عَيْنَاهُ } إذ أكثر الاستعبار ومحقت العبرة سواد العين وقلبته إلى بياض كدر . وقيل : قد عمي بصره . وقيل : قد كان يدرك إدراكاً ضعيفاً { مِنَ الحزن } لأن الحزن سبب البكاء الذي حدث منه البياض فكأنه حدث من الحزن . قيل : ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين عاماً وما على وجه الأرض أكرم على الله من يعقوب ويجوز للنبي عليه السلام أن يبلغ به الجزع ذلك المبلغ لأن الإنسان مجبول على أن لا يملك نفسه عند الحزن فلذلك حمد صبره ، ولقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم ، وقال : « القلب يجزع والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون » وإنما المذموم الصياح والنياحة ولطم الصدور والوجوه وتمزيق الثياب { فَهُوَ كَظِيمٌ } مملوء من الغيظ على أولاده ولا يظهر ما يسوؤهم ، فعيل بمعنى مفعول بدليل قوله { إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ } [ القلم : 48 ] من كظم السقاء إذا شده على ملئه .