الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَـٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَٱبۡيَضَّتۡ عَيۡنَاهُ مِنَ ٱلۡحُزۡنِ فَهُوَ كَظِيمٞ} (84)

وقوله سبحانه : { وتولى عَنْهُمْ } [ يوسف : 84 ] .

أي : زال بوجْهه عنْهم مُلْتَجِئاً إِلى اللَّه : { وَقَالَ يا أسفى عَلَى يُوسُفَ } .

قال الحسن : خُصَّت هذه الأمَّة بالاستِرجاعِ ؛ أَلاَ تَرَى إِلى قول يعقُوبَ : { يا أسفى } .

قال ( ع ) : والمراد { يا أسفَي } ، لكنْ هذه لُغَةُ مَنْ يردُّ ياء الإِضافة ألفاً ؛ نحو : يا غُلاَما ، ويَا أَبَتَا ، ولا يبعد أَنْ يجتمع الاسترجاع ، ويَا أَسَفِي لهذه الأُمَّة ، وليعقوب عليه السلام ، وروي أن يعقوبَ عليه السلام حَزِنَ حُزْنَ سبعين ثَكْلَى ، وأُعطِيَ أَجْرَ مَائَةِ شهيدٍ ، وما ساءَ ظَنَّهُ باللَّه قطُّ ، رواه الحَسَنُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، { فَهُوَ كَظِيمٌ } بمعنى : كاظِمٍ ، كما قال : { والكاظمين الغيظ } [ آل عمران : 134 ] ووصف يعقوب بذلك ، لأنه لم يَشْكُ إِلى أحَدٍ ، وإِنما كان يكْمد في نَفْسه ، ويُمْسِك همَّه في صَدْره ، فكان يكظمه ، أي : يردُّه إِلى قلبه .

( ت ) وهذا ينظر إِلى قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم :

( القَلْبُ يَحْزَنُ وَالعَيْنُ تَدْمَعُ وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ ما يُرْضِي الرَّبَّ ) الحديث ، ذكر هذا صلى الله عليه وسلم عنْدَ مَوْتِ ولده إِبراهيم .

قال ابن المبارك في «رقائقه » : أخبرنا مَعْمَرٌ ، عن قتادة في قوله تعالى : { وابيضت عَيْنَاهُ مِنَ الحزن فَهُوَ كَظِيمٌ } ، قَالَ : كَظم على الحُزْنِ ، فلم يقُلْ إِلا خَيْراً انتهى .

قال ابن العربيِّ في «أحكامه » : وفي الحديث الصحيح عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، أنَّه قال في ابنه إِبراهيم : ( إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ ، وَالَقْلَبَ يَحْزَنُ ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يُرْضِي الرَّبَّ ، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ ) ، وقال أيضاً في الصحيح صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَيْنِ ، وَلاَ بِحُزْنِ القَلْبِ ، وَإِنَّمَا يُعَذِّبُ بِهَذَا وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ أَوْ يَرْحَمُ ) انتهى . خرَّجه البخاريُّ وغيره .