تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَـٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَٱبۡيَضَّتۡ عَيۡنَاهُ مِنَ ٱلۡحُزۡنِ فَهُوَ كَظِيمٞ} (84)

المفردات :

يا أسفى على يوسف : الألف في أسفى بدلا من ياء المتكلم ؛ للتخفيف . والأصل : يا أسفى بكسر الفاء ، والأسف : أشد الحزن على ما فات .

فهو كظيم : فهو مملوء القلب غيظا ، لكنه لا يظهر . وقيل : مملوء القلب حزنا ممسك له لا يبديه من كظم السقاء ؛ إذا شده بعد ملئه . فهو فعيل بمعنى : مفعول .

وابيضت عيناه : أصابتها غشاوة بيضاء .

التفسير :

{ وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف . . . } .

أي : أعرض يعقوب عن أولاده ؛ كارها لحديثهم عن بنيامين ، وتخلفه محبوسا في مصر ، ثم جددت هذه المصيبة أحزانه القديمة فقال :

{ يا أسفى على يوسف } . أي : يا شدة حزني وحسرتي على غياب يوسف وبعده عني ! .

{ وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم } .

أي : أصابت عيناه سحابة بيضاء من كثرة البكاء والحزن على يوسف ؛ فهو مملوء من الحزن على أولاده الغائبين ، ومملوء من الغيظ من أولاده الحاضرين .

قال تعالى : { والكاظمين الغيظ } . أي : يمسكونه فلا يشتد غضبهم وإيذاؤهم ؛ فيعقوب مع شدة حزنه وأسفه يكتم حزنه عن الناس ، ولا يبوح به لأولاده .

وقد جاء في كتب التفسير تساؤل مفاده ما يأتي :

كيف جاز لنبي الله يعقوب أن يشتد حزنه إلى هذه الدرجة .

والجواب : أن الحزن على المفقود فطرة بشرية ، والممنوع : هو الهلع والجزع والصياح ولطم الخدود ، أو شق الجيوب ، أو إعادة دعوى الجاهلية ، وقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ولده إبراهيم وقال : ( العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ! )38 رواه الشيخان .

وعن الحسن : أنه بكى على ولد له ؛ فقيل له في ذلك ؛ فقال : ما رأيت الله جعل الحزن عارا على يعقوب .

وفي تفسير الكشاف :

أنه قيل له عليه الصلاة والسلام : تبكي وقد نهيتنا عن البكاء ! قال : ( ما نهيتكم عن البكاء وإنما نهيتكم عن صوتين أحمقين : صوت عند الفرح ، وصوت عند الترح )39 .