مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَهُوَ يُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَٰرَۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ} (103)

{ لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار } لا تحيط به أو أبصار من سبق ذكرهم .

وتشبث المعتزلة بهذه الآية لا يستتب لأن المنفي هو الإدراك لا الرؤية ، والإدراك هو الوقوف على جوانب المرئي وحدوده ، وما يستحيل عليه الحدود والجهات يستحيل إدراكه لا رؤيته ، فنزل الإدراك من الرؤية منزلة الإحاطة من العلم ، ونفى الإحاطة التي تقتضي الوقوف على الجوانب والحدود لا يقتضي نفي العلم به فهكذا هذا ، على أن مورد الآية وهو التمدح يوجب ثبوت الرؤية إذ نفي إدراك ما تستحيل رؤيته لا تمدح فيه لأن كل ما لا يرى لا يدرك ، وإنما التمدح بنفي الإدراك مع تحقق الرؤية إذ انتفاؤه مع تحقق الرؤية دليل ارتفاع نقيصة التناهي والحدود عن الذات ، فكانت الآية حجة لنا عليهم . ولو أمعنوا النظر فيها لاغتنموا التقصي عن عهدتها ، ومن ينفي الرؤية يلزمه نفي أنه معلوم موجود وإلا فكما يعلم موجوداً بلا كيفية وجهة بخلاف كل موجود لم يجز أن يرى بلا كيفية وجهة بخلاف كل مرئي ، وهذا لأن الرؤية تحقق الشيء بالبصر كما هو ، فإن كان المرئي في الجهة يرى فيها وإن كان لا في الجهة يرى لا فيها { وَهُوَ } للطف إدراكه { يُدْرِكُ الأبصار وَهُوَ اللطيف } أي العالم بدقائق الأمور ومشكلاتها { الخبير } العليم بظواهر الأشياء وخفياتها وهو من قبيل اللف والنشر .