جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَهُوَ يُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَٰرَۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ} (103)

{ لا تُدركه الأبصار } أي : في الدنيا أو لا يحيط به الإبصار ، فإن الإدراك أخص من الرؤية أو لا يراه أحد على ما هو عليه لا بشر ولا ملك ، لكن إذا تجلى بوجه يمكن رؤيته تدركه الأبصار ، أو لا يراه جميع الأبصار ؛ بل الكفار عنه محجوبون ، { وهو يدرك الأبصار{[1499]} } : تحيط علمه بها ويراها ، { وهو اللطيف } : بأوليائه ، { الخبير } : بأعمالهم قيل من باب اللف والنشر أي لا تدركه الأبصار ، لأنه لطيف لا كثافة{[1500]} فيه بوجه ، وهو يدرك الأبصار ؛ لأنه خبير .


[1499]:أي: هو لا تدركه حاسة النظر في الدنيا لأن الإرادة الأزلية أنقضت أنها لا تراه في الدنيا وأما أمور الآخرة فعلى خلاف ما في الدنيا تأمل فيما ورد عن أمر الصراط وأحوال الجنة وأهل النار والأحاديث الصريحة في شأن رؤية الله تعالى للمؤمنين في الجنة واردة، وهو يدرك جميع الحواس النظرية، فهو خالقها وصاحب الحاسة لا يرى حاسة نفسه، وكلا الأمرين معا صفة مدح، والتغير من جانب الرائي لا من جانب الرب سبحانه، ولا عليك أن تجعل تلك الصفة دليلا آخر لنفي الولد والصاحبة فإن التوالد لا بد له من خلطة وتماس، والصفات الذاتية لا تتغير/12 وجيز. وقد ثبت الرؤية في القيامة بالأحاديث المتواترة تواتر لا ك فيه، ولا شبهة ولا يجهله إلا من يجهل السنة المطهرة جهلا عظيما وأيضا قد تقدر في علم البيان والميزان أن رفع الإيجاب الكلي سلب جزئي فالمعنى لا تدركه بعض الأبصار وهي أبصار الكفار هذا على تسليم أن نفي الإدراك يستلزم نفي الرؤية الخاصة والآية من سلب العموم لا من عموم السلب والأول يخلفه الجزئية، والتقدير لا تدركه كل الأبصار، بل بعضها، وهي أبصار المؤمنين، وقد أطال الواحد المتكلم الحافظ ابن قيم في حادي الأرواح في إثبات الرؤية ورد المنكرين لها بما لا مزيد عليه/12 فتتح.
[1500]:بالأصل كثافته، والأصح ما ذكرناه. ص 204.