قوله : { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } الآية [ 104 ] .
قال ابن عباس : معناه : لا تحيط به الأبصار ، وهو يحيط بها {[21215]} .
وليس معناه : لا تراه {[21216]} ، كما زعمت المعتزلة القدرية ، وقد قال الله عن فرعون : { إذا أدركه الغرق } {[21217]} فوصف بأن {[21218]} الغرق أدرك فرعون ) {[21219]} ولم يخبر أنه رآه ، لأن الغرق ليس مما يُرى ، فليس الإدراك هو الرّؤية ، وقد يرى الشيءُ الشيءَ ولا يُدركه ، كما حكي عن أصحاب موسى حين قرب منهم أصحاب فرعون : { فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون } {[21220]} ، وكان أصحاب فرعون قد رأوا أصحاب موسى ، ولم يكونوا ليدركوهم ، لأن الله قد وعد نبيه أنهم لا يُدرَكون بقوله : { لا تخاف دركا ولا تخشى } {[21221]} ، ولذلك قال لهم موسى : ( كلا ) {[21222]} أي : ليس يُدرِكونا {[21223]} ، فليس ( قوله ) {[21224]} : { لا تدركه الأبصار } بمعنى : لا تراه الأبصار ، وإنما معناه : لا تحيط به الأبصار ، لأنه غير جائز أن {[21225]} تحيط به الأبصار ، ومثل {[21226]} هذا وصفه بأنه يُعلم ولا يحاط به {[21227]} .
/ {[21228]}وقيل : معناه : لا تراه الأبصار في الدنيا ، قاله السدي وغيره {[21229]} .
والكلام على جواز رؤية {[21230]} الله جل ذكره في الآخرة يطول {[21231]} ، وبجوازه {[21232]} يقول أهل السنة والجماعة ، و( به ) {[21233]} تواترت الأخبار وتتابعت الروايات {[21234]} عن النبي عليه السلام {[21235]} ، وهو معنى قوله : { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة } {[21236]} ، وهو المفهوم من قوله تعالى في الكفار : { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } {[21237]} ، فلو كان الخلق كلهم محجوبون عن ربهم ، ما خص ذكر الكفار بالحجاب . وفي تخصيصه الكفار ( بالحجاب ) {[21238]} دليل على أن المؤمنين غير محجوبين عن ربهم ، فأما قول من قال : إن معناه : ( عن رحمة ربك ) {[21239]} وقال في ( الآية الأخرى ) {[21240]} : ( إلى رحمة ربها ناظرة ) ، فهو قول متقاحم {[21241]} بالباطل ، مُدَّع ما ليس لفظه في الكلام ، مُخرِج للخطاب عن ظاهره ، متكلِّف إضمار ما ليس في الكلام عليه دليل ، ألْجَأَهُ إلى ذلك كله نَصْرُ {[21242]} باطله ( بباطل مثله ) {[21243]} ، أعاذنا الله من ذلك كله {[21244]} .
وقيل : معنى ( الأبصار ) هي في هذا : أبصار العقول {[21245]} ، كما قال : { فمن أبصر فلنفسه } {[21246]} ، فالمعنى : لا يدركه {[21247]} نفاذ العقول فتتوهمه وتُكيّفه إذ ليس كمثله شيء متوهّم محدود {[21248]} .
قوله : { وهو اللطيف الخبير ) {[21249]} : ( اللطيف ) } {[21250]} : مشتق من اللطف وهو التأني {[21251]} يقال : ( أُلطُفْ لِفُلانٍ في هذا الأمر ) ، أي : ( تأن له ) {[21252]} من وجه يَخلُص {[21253]} ( منه ) {[21254]} إلى بغيته {[21255]} ، ( فالله لطيف بالخلق ) {[21256]} حتى صاروا إلى ما يصلحهم {[21257]} . وقيل : { اللطيف } هو الذي فعل {[21258]} أفعالا لطيفة ، و{ الخبير } : العالم بالشيء . فهو لطيف لإحكامه الخَلْقَ {[21259]} ، وهو العظيم ، لأنه خلق الخلق العظيم {[21260]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.