فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَهُوَ يُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَٰرَۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ} (103)

قوله : { لاَ تُدْرِكُهُ الأبصار } الأبصار : جمع بصر ، وهو الحاسة ، وإدراك الشيء عبارة عن الإحاطة به . قال الزجاج أي لا تبلغ كنه حقيقته ، فالمنفيّ هو هذا الإدراك لا مجرّد الرؤية . فقد ثبتت بالأحاديث المتواترة تواتراً لا شك فيه ولا شبهة ، ولا يجهله إلا من يجهل السنة المطهرة جهلاً عظيماً ، وأيضاً قد تقرّر في علم البيان ، والميزان أن رفع الإيجاب الكلي سلب جزئي ، فالمعنى لا تدركه بعض الأبصار وهي أبصار الكفار ، هذا على تسليم أن نفي الإدراك يستلزم نفي الرؤية ، فالمراد به هذه الرؤية الخاصة ، والآية من سلب العموم لا من عموم السلب ، والأوّل تخلفه الجزئية ، والتقدير : لا تدركه كل الأبصار بل بعضها ، وهي أبصار المؤمنين . والمصير إلى أحد الوجهين متعين لما عرّفناك من تواتر الرؤية في الآخرة ، واعتضادها بقوله تعالى : { وُجُوه يَوْمَئِذٍ نَاضِرَة } الآية .

قوله : { وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار } أي يحيط بها ويبلغ كنهها لا تخفى عليه منها خافية ، وخصّ الأبصار ليجانس ما قبله . وقال الزجاج : في هذا دليل على أن الخلق لا يدركون الأبصار ، أي لا يعرفون كيفية حقيقة البصر ، وما الشيء الذي صار به الإنسان يبصر من عينيه دون أن يبصر من غيرهما من سائر أعضائه انتهى . { وَهُوَ اللطيف } أي الرفيق بعباده ، يقال لطف فلان بفلان : أي رفق به ، واللطف في العمل الرفق به . واللطف من الله التوفيق والعصمة ، وألطفه بكذا : إذا أبرّه . والملاطفة : المبارّة . هكذا قال الجوهري وابن فارس ، و { الخبير } المختبر بكل شيء بحيث لا يخفى عليه شيء .

/خ103