محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ إِذَا عَٰهَدتُّمۡ وَلَا تَنقُضُواْ ٱلۡأَيۡمَٰنَ بَعۡدَ تَوۡكِيدِهَا وَقَدۡ جَعَلۡتُمُ ٱللَّهَ عَلَيۡكُمۡ كَفِيلًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ} (91)

ثم بيّن تعالى أمره بالوفاء بالعهد والميثاق ، والمحافظة على الأيمان المؤكدة ، بقوله :[ 91 ] { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون 91 } .

{ وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ، إن الله يعلم ما تفعلون } .

/ روى ابن جرير عن بريدة قال{[5319]} : " نزلت في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم ، كان من أسلم بايع النبي على الإسلام ، فأمروا بالوفاء بهذه البيعة ، وأن لا ينقضوها بعد توكيدها بالأيمان " . أي : لا يحملنكم قلة المؤمنين وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإسلام . وظاهر أن العهد يتناول كل أمر يجب الوفاء بمقتضاه ، مما يلتزمه المرء باختياره . كالمبايعة على الإسلام . وعهد الجهاد ، وما التزمه من نذر ، وما أكده بحلف . وعلى هذا ، فتخصيص اليمين بالذكر ، للتنبيه على أنه أولى أنواع العهد بوجوب الرعاية . و ( التوكيد والتأكيد ) ، لغتان فصيحتان . والأصل الواو ، والهمزة بدل منها . والواو في قوله : { وقد جعلتم الله عليكم كفيلا } ، لحال من فاعل { تنقضوا } ، أو من فاعل المصدر ، وإن كان محذوفا ، ومعنى { كفيلا } ، شهيدا رقيبا . و ( الجعل ) مجاز . فإن من حلف به تعالى وهو مطلع عليه ، فكأنه جعله شاهدا . قال الشهاب : ولو أبقى ( الكفيل ) على ظاهره ، وجعل تمثيلا لعدم تخلصهم من عقوبته ، وأنه يسلمهم لها كما يسلم الكفيل من كفله ، كما يقال : " من ظلم فقد أقام كفيلا بظلمه " ، تنبيها على أنه لا يمكنه التخلص من العقوبة كما ذكره الراغب لكان معنى بليغا جدا . وقوله تعالى : { إن الله يعلم ما تفعلون } ، كالتفسير لما قبله ، وفيه ترغيب وترهيب .

تنبيه :

في الآية الحث على البر في الأيمان . وجليّ أنها فيما فيه طاعة وبر وتقوى . وأما فيما عدا ذلك ، فالخير في نقضها . وقد دل عليه ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ( الصحيحين ) {[5320]} أنه قال : " إني ، والله ! إن شاء الله ، لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها ، إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها " . ( وفي رواية : وكفّرت عن يميني ) . فالحديث في معنى ، والآية في معنى آخر . فلا تعارض ، كما وهم .


[5319]:انظر الصفحة رقم 164 من الجزء الرابع عشر (طبعة الحلبي الثانية).
[5320]:أخرجه مسلم في: 27 – كتاب الأيمان، حديث 7- 10 (طبعتنا).