السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ إِذَا عَٰهَدتُّمۡ وَلَا تَنقُضُواْ ٱلۡأَيۡمَٰنَ بَعۡدَ تَوۡكِيدِهَا وَقَدۡ جَعَلۡتُمُ ٱللَّهَ عَلَيۡكُمۡ كَفِيلًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا تَفۡعَلُونَ} (91)

ولما تقرّرت هذه الجمل التي جمعت بجمعها المأمورات والمنهيات ما تضيق عنه الدفاتر والصدور ، وشهد لها المعاندون من بلغاء العرب أنها بلغت من البلاغة مبلغاً يحصل به غاية السرور . ذكر بعض تلك الأقسام وبدأ بما هو مع جمعه أهمّ ، وهو الوفاء بالعهد بقوله تعالى : { وأوفوا } ، أي : أوقعوا الوفاء الذي لا وفاء في الحقيقة غيره . { بعهد الله } ، أي : الملك الأعلى الذي عاهدكم عليه بأدلة العقل ، من التوحيد والبيع والإيمان ، وغيرها من أصول الدين وفروعه . { إذا عاهدتم } ، بتقلبكم له بإذعانكم لامتثاله . { ولا تنقضوا الأيمان } ، واحترز عن لغو اليمين بقوله تعالى : { بعد توكيدها } ، أي : تشديدها ، فتحنثوا فيها ، وفي ذلك دليل على أن المراد بالعهد غير اليمين لأنه أعم منه . وقرأ أبو عمرو بإدغام الدال في التاء بخلاف عنه . { و } الحال أنكم { قد جعلتم الله } ، أي : الذي له العظمة كلها ، { عليكم كفيلاً } ، أي : شاهداً ورقيباً . وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم : بإظهار دال " قد " عند الجيم ، والباقون بالإدغام . وعن جابر رضي الله عنه قال : نزلت هذه الآية في بيعة النبيّ صلى الله عليه وسلم كان من أسلم ، بايع على الإسلام فقال تعالى : { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها } ، فلا تحملنكم قلة محمد وأصحابه وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإسلام . { إنّ الله } ، أي : الذي له الإحاطة الكاملة ، { يعلم ما تفعلون } ، من وفاء العهد ونقضه .