محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَلَمَّا جَآءَتۡ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرۡشُكِۖ قَالَتۡ كَأَنَّهُۥ هُوَۚ وَأُوتِينَا ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهَا وَكُنَّا مُسۡلِمِينَ} (42)

{ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ } قال المهايمي : لم تقل ( هو هو ) خوفا من التكذيب ، مع نوع من التغيير . ولا ( لا ) خوفا من التجهيل .

وقال الزمخشري : لم تقل ( هو هو ) ولا ( ليس به ) وذلك من راجحة عقلها . حيث لم تقطع في المحتمل . أي : فأتت ب { كأن } الدالة على غلبة الظن .

قال الشهاب : وهذا إشارة إلى أن { كأن } ليس المراد بها هنا التشبيه بل الشك ، وهو مشهور فيها .

وقد أبدى صاحب ( الانتصاف ) فرقا بين ( كأن ) و ( هكذا ) في التشبيه . وعبارته : وفي قولها : { كأنه هو } وعدولها عن مطابقة الجواب للسؤال بأن تقول ( هكذا هو ) – نكتة حسنة . ولعل قائلا يقول : كلتا العبارتين تشبيه . إذ كان التشبيه فيهما جميعا . وإن كانت في إحداهما داخلة على اسم الإشارة ، وفي الأخرى داخلة على المضمر ، وكلاهما ( أعني اسم الإشارة والمضمر ) واقع على الذات المشبهة . وحينئذ تستوي العبارتان في المعنى . ويفضل قولها ( هكذا هو ) بمطابقته للسؤال . فلا بد في اختيار { كأنه هو } من حكمة . فنقول : حكمته ، والله أعلم ، أن { كأنه هو } عبارة من قرب عنده الشبه حتى شكك نفسه في التغاير بين الأمرين ، فكاد يقول ( هو هو ) وتلك حال بلقيس وأما ( هكذا هو ) فعبارة جازم بتغاير لحالها ، والله أعلم . انتهى .

وقوله تعالى { وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } هذا من تمام كلام سليمان عليه السلام ، شكرا لله على فضلهم عليها ، وسبقهم إلى العلم بالله وبالإسلام . أي : وأوتينا نحن العلم بالله وبقدرته ، وبصحة ما جاء من عنده ، قبل علمها الذي أومأ إليه قولها { كأنه هو } والجملة عطف على مقدر اقتضاه المقام المقتضي ، للإفاضة في وصفها برجاحة الرأي في الهداية للإسلام . والتقدير : أصابت في جوابها وقد رزقت الإسلام ، وعلمت قدرة الله . وأوتينا العلم إلخ . وقيل : إنه من كلام بلقيس ، موصولا بقولها { كأنه هو } ، لا من كلام سليمان . كأنها ظنت أنه أراد بذلك اختبار عقلها وإظهار معجزة لها فقالت : أوتينا العلم إلخ أي لا حاجة إلى الاختبار لأني آمنت قبل . وهذا يدل على كمال عقلها .

أو المعنى : علمنا إتيانك بالعرش قبل الرؤية ، أو هذه الحالة بالقرائن أو الأخبار .

قال ابن كثير : ويؤيد الأول ، أي أنه من كلام سليمان ، أنها إنما أظهرت الإسلام بعد دخولها إلى الصرح ، كما سيأتي ، والله أعلم .