الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{فَلَمَّا جَآءَتۡ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرۡشُكِۖ قَالَتۡ كَأَنَّهُۥ هُوَۚ وَأُوتِينَا ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهَا وَكُنَّا مُسۡلِمِينَ} (42)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فلما جاءت} المرأة {قيل} لها {أهكذا عرشك}؟ فأجابتهم ف {قالت كأنه هو} وقد عرفته ولكنها شبهت عليهم كما شبهوا عليها، ولو قيل لها: هذا عرشك؟ لقالت: نعم، قيل لها: فإنه عرشك فما أغنى عنه إغلاق الأبواب؟ يقول سليمان: {وأوتينا العلم} من الله عز وجل {من قبلها} يعني: من قبل أن يجيء العرش والصرح وغيره، {وكنا مسلمين} يعني: وكنا مخلصين بالتوحيد من قبلها.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: لما جاءت صاحبة سبأ سليمان، أخرج لها عرشها، فقال لها:"أَهَكَذَا عَرْشُكِ"؟ "قَالت "وشبهته به: "كَأنّهُ هُوَ"...

وقوله: "وأوتِينا العِلْمَ مِنْ قَبْلِها "يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل سليمان، وقال سليمان: "وَأُوِتينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا" أي هذه المرأة، بالله وبقدرته على ما يشاء، "وَكُنّا مُسْلِمِينَ" لله من قبلها.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو} قال بعضهم: شبهت هي عليهم، ولبست أمره كما فعلوا هم بها من تغيير عرشها عليها وتلبيسه عليها. لكن قولها: {كأنه هو} لم تقطع فيه القول لما رأت فيه من التغيير والتنكير... وقفت فيه.

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

فلمّا جاءت بلقيس {قِيلَ} لها {أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ}... فلم تقرّ بذلك ولم تنكر، فعلم سليمان، عليه السلام، كمال عقلها.

معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :

وقال عكرمة: كانت حكيمة لم تقل: نعم، خوفاً من أن تكذب، ولم تقل: لا، خوفاً من التكذيب، قالت: كأنه هو، فعرف سليمان كمال عقلها حيث لم تقر ولم تنكر.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

هكذا ثلاث كلمات: حرف التنبيه، وكاف التشبيه، واسم الإشارة. لم يقل: أهذا عرشك، ولكن: أمثل هذا عرشك؛ لئلا يكون تلقيناً {قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} ولم تقل: هو هو، ولا ليس به، وذلك من رجاحة عقلها، حيث لم تقطع في المحتمل..

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقال سليمان عند ذلك {وأوتينا العلم من قبلها...}، وهذا منه على جهة تعديد نعم الله، وإنما قال ذلك لما علمت هي وفهمت، ذكر هو نعمة الله عليه وعلى آبائه.

مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي 710 هـ :

{وَأُوتِينَا العلم مِن قَبْلِهَا} من كلام بلقيس أي وأوتينا العلم بقدرة الله تعالى وبصحة نبوتك بالآيات المتقدمة من أمر الهدهد والرسل من قبل هذه المعجزة أي إحضار العرش أو من قبل هذه الحالة {وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} منقادين لك مطيعين لأمرك، أو من كلام سليمان وملئه عطفوا على كلامها قولهم: وأوتينا العلم بالله وبقدرته وبصحة ما جاء من عنده قبل علمها، أو أوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها وكنا مسلمين موحدين خاضعين.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

والظاهر أن قوله: {وأوتينا العلم} إلى قوله: {من قوم كافرين} ليس من كلام بلقيس، وإن كان متصلاً بكلامها. فقيل: من كلام سليمان. وقيل: من كلام قوم سليمان وأتباعه. فإن كان من قول سليمان فقيل: العلم هنا مخصوص، أي وأوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة. {من قبلها} أي من قبل مجيئها.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

وأشار إلى سرعة مجيئها إشارة إلى خضوعها بالتعبير بالفاء في قوله: {فلما جاءت}... {قيل} أي لها وقد رأت عرشها بعد تنكيره بتقليب نصبه وتغييره، من قائل لا يقدر على السكوت عن جوابه لما نالها من الهيبة وخالطها من الرعب من عظيم ما رأت، فقرعها بكلمة تشمل على أربع كلمات: هاء التنبيه، وكاف التشبيه، واسم الإشارة، مصدرة بهمزة الاستفهام، أي تنبهي {أهكذا} أمثل ذا العرش {عرشك قالت} عادلة عن حق الجواب من "نعم "أو "لا" إشارة إلى أنها غلب على ظنها أنه هو بعينه...: {كأنه هو} وذلك يدل على ثبات كبير، وفكر ثاقب، ونظر ثابت، وطبع منقاد، لتجويز المعجزات والإذعان لها مع دهشة القدوم، واشتغال الفكر بما دهمها من هيبته وعظيم أمره، فعلم سليمان عليه السلام رجاحة عقلها...

ولما كانت مع ذلك قد شبه عليها ولم تصل إلى حاق الانكشاف مع أنها غلبت على عرشها مع الاحتفاظ عليه، استحضر صلى الله عليه وسلم ما خصه الله به من العلم زيادة في حثه على الشكر، فقال عاطفاً على ما تقديره: فأوتيت من أمر عرشها علماً، ولكنه يخالجه شك، فدل على أنها في الجملة من أهل العلم المهيئ للهداية، أو يكون التقدير بما دل عليه ما يلزم من قولها {كأنه}: فجهلت أمر عرشها على كثرة ملابستها له: {وأوتينا} معبراً بنون الواحد المطاع، لا سيما والمؤتى سبب لعظمة شرعية، وهو العلم الذي لا يقدر على إيتائه غير الله، ولذلك بني الفعل للمفعول لأن فاعله معلوم {العلم} أي بجميع ما آتانا الله علمه، ومنه أنه يخفى عليها {من قبلها} أي من قبل إتيانها، بأن عرشها يشتبه عليها، أو من قبل علمها بما ظنت من أمر عرشها، أو أنا وأسلافي من قبل وجودها، فنحن عريقون في العلم، فلذلك نحن على حقيقة من جميع أمورنا، وإنما قال: {ننظر أتهتدي} بالنسبة إلى جنوده.

ثم ذكر السبب في وجود العلم واتساعه وثباته فقال: {وكنا} أي مع العلم الذي هيأنا الله له بما جعل في غرائزنا من النورانية {مسلمين} أي خاضعين لله تعالى عريقين في ذلك مقبلين على جميع أوامره بالفعل على حسب أمره...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ولعل هذا كان اختبارا من سليمان لذكائها وتصرفها، في أثناء مفاجأتها بعرشها. ثم إذا مشهد الملكة ساعة الحضور:

(فلما جاءت قيل: أهكذا عرشك؟ قالت: كأنه هو)..

إنها مفاجأة ضخمة لا تخطر للملكة على بال. فأين عرشها في مملكتها، وعليها أقفالها وحراسها.. أين هو من بيت المقدس مقر ملك سليمان؟ وكيف جيء به؟ ومن ذا الذي جاء به؟

ولكن العرش عرشها من وراء هذا التغيير والتنكير!

ترى تنفي أنه هو بناء على تلك الملابسات؟ أم تراها تقول: إنه هو بناء على ما تراه فيه من أمارات؟ وقد انتهت إلى جواب ذكي أريب: (قالت: كأنه هو) لا تنفي ولا تثبت، وتدل على فراسة وبديهة في مواجهة المفاجأة العجيبة.

وهنا فجوة في السياق. فكأنما أخبرت بسر المفاجأة. فقالت: إنها استعدت للتسليم والإسلام من قبل أي منذ اعتزمت القدوم على سليمان بعد رد الهدية.

(وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين)..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو}

دل قوله: {لما جاءت} أنّ الملكة لما بلغها ما أجاب به سليمان رسلها أزمعت الحضور بنفسها لدى سليمان داخلة تحت نفوذ مملكته، وأنها تجهزت للسفر إلى أورشليم بما يليق بمثلها.

وقد طُوي خبر ارتحالها إذ لا غرض مُهِمّاً يتعلق به في موضع العبرة. والمقصود أنها خضعت لأمر سليمان وجاءته راغبة في الانتساب إليه.

وبني فعل {قيل} للمجهول إذ لا يتعلق غرض بالقائل. والظاهر أن الذي قال ذلك هو سليمان.

{وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين}

يجوز أن يكون عطفاً على قوله: {هذا من فضل ربي} [النمل: 40] الآية وما بينهما اعتراضاً، أي هذا من قول سليمان.

ويجوز أن يكون عطفاً على قوله: {ننظر أَتهتدي} [النمل: 41] الآية وما بينهما اعتراضاً كذلك، ويجوز أن يكون عطفاً على {أهكذا عرشُك} وما بينهما اعتراضاً به جوابها، أي وقيل أوتينا العلم من قبلها، أي قال القائل: أهكذا عرشك، أي قال سليمان ذلك في ملئه عقب اختيار رأيها شكراً لله على ما لديه من العلم، أو قال بعض ملأ سليمان لبعض هذه المقالة. ولعلهم تخافتوا به أو رَطنوه بلغتهم العبرية بحيث لا تفهمهم. وقالوا ذلك بَهجين بأن فيهم من له من العلم ما ليس لملأ ملكة سبأ، أي لا ننسى بما نُشاهده من بَهرجات هذه الملكة أننا في حالة عقلية أفضل. وأرادوا بالعلم علم الحكمة الذي علمه الله سليمان ورجال مملكته وتشاركهم بعض أهل سبأ في بعضه فقد كانوا أهل معرفة أنشأوا بها حضارة مبهتة.

فمعنى: {من قبلها} إن حمل على ظاهره أن قومهم بني إسرائيل كانوا أسبق في معرفة الحكمة وحضارة الملك من أهل سبأ لأن الحكمة ظهرت في بني إسرائيل من عهد موسى، فقد سن لهم الشريعة، وأقام لهم نظام الجماعة، وعلمهم أسلوب الحضارة بتخطيط رسوم مساكنهم وملابسهم ونظام الجيش والحرب والمواسم والمحافل. ثم أخذ ذلك يرتقي إلى أن بلغ غاية بعيدة في مدة سليمان، فبهذا الاعتبار كان بنو إسرائيل أسبق إلى علم الحكمة قبل أهل سبأ، وإن أريد ب {مِن قبلها} القبليةُ الاعتباريةُ وهي الفضل والتفوق في المزايا وهو الأليق بالمعنى كان المعنى: إنَّا أوسع وأقوى منها علماً... فكان الأرجح أن يكون معنى {من قبلها} أنّا فائتونها في العلم وبالغون ما لم تبلغه. وزادوا في إظهار فضلهم عليها بذكر الناحية الدينية، أي وكنا مسلمين دونها.

وفي ذكر فعل الكون دلالة على تمكنهم من الإسلام منذ القدم.