اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَلَمَّا جَآءَتۡ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرۡشُكِۖ قَالَتۡ كَأَنَّهُۥ هُوَۚ وَأُوتِينَا ٱلۡعِلۡمَ مِن قَبۡلِهَا وَكُنَّا مُسۡلِمِينَ} (42)

قوله : «أَهَكَذَا » ثلاث كلمات - حرف التنبيه وكأن التشبيه واسم الإشارة - فُصِل ( بحرف الجرِّ بيْنَ حرف التنبيه واسم الإشارة ، والأصل : أَكَهَذا{[39047]} ، أي : ( أ ){[39048]} مِثْل هذا عرشُك ، ولا يجوز ذلك في غير الكاف لو قُلت : أَبهذا مَرَرْت ، وأَلهذا فعلتُ لم يجز أن تفصِل ){[39049]} بحرف الجرّ بين «ها » و «ذا » فتقول : أَهَا بِذَا مَرَرْتُ وأَهَا لِذَا فَعَلْتُ .

قوله{[39050]} : { قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ } ، قال مقاتل : عرفتْه ، ولكنها شبَّهت عليهم كما شبَّهوا عليها{[39051]} ، وقال عكرمة : كانت حكيمة لم تقل ، نعم ، خوفا من أن تكذب ، ولم تقل : لا ، خوفاً من التكذيب{[39052]} ، قالت كأنه هو ، فعرف سليمان كمال عقلها ، حيث توقفت في محل التوقف ، قيل لها : فإنه عرشك ، فما أغنى عنك إغلاق الأبواب عليه ، وكانت قد أغلقت عليه الأبواب وأخذت مفاتيحها . قوله : { وَأُوتِينَا العلم مِن قَبْلِهَا } فيه وجهان :

أحدهما : أنه من كلام بلقيس ، فالضمير في «قَبْلِهَا » راجع للمعجزة والحالة الدَّالة عليها السياق والمعنى : وأُوتينا العلم بنبوة سليمان من قبل ظهور هذه المعجزة أو من قبل هذه الحالة ، وذلك لِمَا رأَت قبل ذلك من أمر الهُدهد ورد الهدية والرسل «من قَبْلِهَا » من قبل الآية في العرش ، «وَكُنَّا مُسْلِمِينَ » منقادين طائعين لأمر سليمان .

الثاني : أنه من كلام سليمان وأتباعه ، فالضمير في قبلها عائد على بلقيس ، فكأن سليمان وقومه قالوا : إنها قد أصابت في جوابها وهي عاقلة ، وقد رزقت الإسلام ، ثم عطفوا على ذلك قولهم{[39053]} : وأوتينا نحن العلم بالله وبقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرأة مثل علمها ، وغرضهم من ذلك شكر الله تعالى في أن خصهم بمزيد التقدم في الإسلام ، قاله مجاهد{[39054]} .


[39047]:في ب: أهكذا.
[39048]:ما بين القوسين زيادة يقتضيها السياق.
[39049]:ما بين القوسين سقط من الأصل.
[39050]:في الأصل: فصل.
[39051]:انظر البغوي 6/285.
[39052]:المرجع السابق.
[39053]:في ب: قوله.
[39054]:انظر الكشاف 3/144، الفخر الرازي 24/199-200، القرطبي 13/207-208.