محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَـٰٓئِفَ ٱلۡأَرۡضِ وَرَفَعَ بَعۡضَكُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٞ رَّحِيمُۢ} (165)

[ 165 ] { وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم ( 165 ) } .

{ وهو الذي جعلكم خلائف الأرض } جمع خليفة . أي يخلف بعضكم بعضا فيها ، فتعمرونها خلفا بعد سلف ، للتصرف بوجوه مختلفة { ورفع بعضكم فوق بعض درجات } أي : فاوت بينكم في الأرزاق والأخلاق والمحاسن والمساوئ والمناظر والأشكال والألوان ، وله الحكمة في ذلك . كقوله تعالى : { نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض دراجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا }{[3826]} . وقوله / سبحانه : { انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا }{[3827]} وقوله تعالى : { ليبلوكم فيما آتاكم } أي : ليختبركم في الذي أنعم به عليكم ، أي : امتحنكم ليختبر الغني في غناه ويسأله عن شكره ، والفقير في فقره ويسأله عن صبره ، وفي ( صحيح المسلم ){[3828]} عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الدنيا حلوة خضرة . وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون . فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " . أفاده ابن كثير .

ثم رهب تعالى من معصيته ورغب في طاعته بقوله سبحانه : { إن ربك سريع العقاب } أي : لمن عصاه وخالف رسله { وإنه لغفر رحيم } أي : لمن والاه واتبع رسله .

لطائف

الأولى : قال السيوطي في ( الإكليل ) . استدل بقوله تعالى : { جعلكم خلائف الأرض } من أجاز أن يقال للإمام : خليفة الله . انتهى .

أي : بناء على وجه في الآية . وهو أن المعنى : جعلكم خلائف الله في الأرض تتصرفون فيها . ذكره المفسرون . وآثرت ، قبل ، غير هذا الوجه لأنه أدق وأظهر . والله أعلم .

الثانية : قال القاضي : وصف العقاب ولم يضفه إلى نفسه ، ووصف ذاته بالمغفرة وضم إليه الوصف بالرحمة ، وأتى ببناء المبالغة واللام المؤكدة- تنبيها على أنه سبحانه وتعالى غفور بالذات ، معاقب بالعرض ، كثير الرحمة مبالغ فيها ، قليل العقوبة مسامح فيها . انتهى .

/ الثالثة : قال ابن كثير : إن الحق تعالى ، كثيرا ما يقرن في القرن بين هاتين الصفتين كقوله : { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ، وإن ربك لشديد العقاب } وقوله : { نَبِّيءْ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ، وأن عذابي هو العذاب الأليم } . إلى غير ذلك من الآيات المشتملة على الترغيب والترهيب . فتارة يدعو عباده إليه بالرغبة وصفة الجنة والترغيب فيما لديه . وتارة يدعوهم إليه بالرهبة وذكر النار وأنكالها وعذابها والقيامة وأهوالها . وتارة بهما . لينجع في كل بحسبه . جعلنا الله ممن أطاعه فيما أمر ، وترك ما نهى عنه وزجر ، إنه قريب مجيب .


[3826]:- [34/ الزخرف/ 32] ونصها: {أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون (32)}.
[3827]:- [17/ الإسراء/ 21].
[3828]:- أخرجه مسلم في: 48- كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث 99 (طبعتنا).