الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَـٰٓئِفَ ٱلۡأَرۡضِ وَرَفَعَ بَعۡضَكُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٞ رَّحِيمُۢ} (165)

{ خلائف } : جمع خَلِيفَةِ ، أي : يخلف بعضُكم بعضاً ، لأن مَنْ أتى خليفةٌ لِمَنْ مضى ، وهذا يتصوَّر في جميع الأممِ وسائرِ أصنافِ الناسِ ، ولكنه يحْسُنُ في أمة نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يسمى أهلها بجملتهم خلائِف للأمم ، وليس لهم من يخلفهم ، إذ هم آخر الأمم ، وعليهم تقومُ الساعة ، وروى الحَسَنُ بْنُ أبي الحسن ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : ( تُوفونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) ، ويروى : ( أَنْتُمْ آخِرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ ) . وقوله : { وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ درجات }[ الأنعام :165 ] لفظٌ عامٌّ في المالِ ، والقوةِ ، والجاهِ ، وجودةِ النفُوسِ والأذهانِ ، وغير ذلك ، وكل ذلك إنما هو ليختبر اللَّه سبحانه الخلْقَ ، فيَرَى المحْسِنَ من المُسيء ، ولما أخبر اللَّه عزَّ وجلَّ بهذا ، ففسح للنَّاس مَيْدَانَ العَمَل ، وحضَّهم سبحانه على الاستباقِ إلى الخيراتِ ، توعَّد ووَعَد ، تخويفاً منه وترجيةً ، فقال : { إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العقاب } إما بأخَذَاته في الدنيا ، وإما بعقاب الآخرة ، وحَسُنَ أنْ يوصف عقابُ الآخرة ب «سريع » ، لما كان متحقّقاً مضمون الإتيانِ والوقوعِ ، وكلُّ آت قريبٌ ، { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } : ترجيةٌ لمن أذنب وأراد التوبة ، وهذا في كتاب اللَّه كثيرٌ ، وهو اقتران الوعيد بالوعدِ ، لطفاً من اللَّه سبحانه بعبادِهِ ، اللَّهم اجعلنا مِمَّنْ شملته رحْمَتُكَ وغُفْرانُكَ ، بجُودِكَ وإحسانِكَ ، ومِنْ كلام الشيخ الوليِّ العارفِ أبي الحسن الشَّاذِلِيِّ ( رحمه اللَّه ) قَالَ : من أراد أن لاَّ يضره ذنْبٌ ، فليقل : ربِّ أعوذ بك من عذابِكَ يَوْمَ تبعث عبادَكَ ، وأعوذ بك مِنْ عاجل العذابِ ، ومِنْ سوء الحسابِ ، فإنك لسريعُ الحِسَاب ، وإنك لغفور رحيم ، رَبِّ إني ظلمت نفسي ظُلْماً كثيراً ، فاغفر لي وتُبْ عليَّ لا إله إلا أنت ، سبحانك ، إني كنْتُ من الظالمين ، انتهى .

ختام السورة:

نسأل الله أن ينفع به ناظره ، وأن يجعله لنا ذخرا ونورا يسعى بين أيدينا يوم لقائه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسلما . انتهى هذا الجزء مصححا بالمقابلة على خط مؤلفه شكر الله سعيه ، وقدس سره ويليه الجزء الثالث وأوله سورة الأعراف ولله الحمد والمنة .