فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَـٰٓئِفَ ٱلۡأَرۡضِ وَرَفَعَ بَعۡضَكُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٞ رَّحِيمُۢ} (165)

قوله : { وَهُوَ الذي جَعَلَكُمْ خلائف الأرض } خلائف جمع خليفة : أي جعلكم خلفاء الأمم الماضية والقرون السالفة ، قال الشماخ :

أصيبهم وتخطئني المنايا *** وأخلف في ربوع عن ربوع

أو المراد أنه يخلف بعضهم بعضاً ، أو أن هذا النوع الإنساني خلفاء الله في أرضه : { وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ درجات } في الخلق ، والرزق ، والقوة ، والفضل ، والعلم ، ودرجات منصوب بنزع الخافض : أي إلى درجات { لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتاكم } أي ليختبركم فيما آتاكم من تلك الأمور ، أو ليبتلي بعضكم ببعض كقوله تعالى :

{ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً } ثم خوّفهم فقال : { إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العقاب } فإنه وإن كان في الآخرة فكل آت قريب كما قال : { وَمَا أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحِ البصر أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } ثم رغب من يستحق الترغيب من المسلمين ، فقال : { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي كثير الغفران والرحمة .

وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، في قوله : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ } قال : لا يؤاخذ أحد بذنب غيره . وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السديّ في قوله : { وَهُوَ الذي جَعَلَكُمْ خلائف الأرض } قال : أهلك القرون الأولى ، فاستخلفنا فيها بعدهم { وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ درجات } قال : في الرزق .