غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَـٰٓئِفَ ٱلۡأَرۡضِ وَرَفَعَ بَعۡضَكُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٞ رَّحِيمُۢ} (165)

151

ثم ختم السورة ببيان حال المبدأ والوسط والمعاد على سبيل الإجمال فقال { وهو الذي جعلكم خلائف الأرض } قيل : الخطاب لبني آدم لأنه جعلهم بحيث يخلف بعضهم بعضاً . وقيل : لأمة محمد صلى الله عليه وآله لأنه خاتم النبيين فخلفت أمته سائر الأمم ، وقيل : لخواص الأمة الذين هم خلفاء الله في أرضه يملكونها ويتصرفون فيها بالحق كقوله : { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس } [ ص : 26 ] { ورفع بعضكم فوق بعض درجات } في الشرف والعقل والجاه والمال والرزق لا للعجز والبخل ولكن لأجل شبه الابتلاء والامتحان ، ولظهور الموفر من المقصر وتميز المطيع من العاصي حسب ما تقتضيه الحكمة والعدالة والتدبير والتقدير . ثم وصف نفسه بالقدرة الكاملة على إيصال العقاب وإيفاء الثواب فقال { إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم } فأدخل اللام في قرينة الترغيب وأسقطها عن قرينة الترهيب ترجيحاً لجانب الرحمة والغفران فإن اللطف والرحمة تفيض عنه بالذات والقهر والتعذيب يصدر عنه بالعرض لأن ذلك من ضروريات الملك ولهذا قال «سبقت رحمتي غضبي » وإنما وصف العقاب بالسرعة لأن كل ما هو آت قريب . وإنما لم يسقط اللام عن قرينة العقاب في سورة الأعراف في قصة أصحاب السبت لأن ذلك قد ورد عقيب ذكر المسخ فناسب التأكيد باللام ، وإنما أخر قرينة الرحمة في الموضعين ليقع ختم الكلام على المغفرة والرحمة فيكون أدل على كمال رأفته ووفور إحسانه .

/خ165