تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَـٰٓئِفَ ٱلۡأَرۡضِ وَرَفَعَ بَعۡضَكُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٞ رَّحِيمُۢ} (165)

الآية 165 وقوله تعالى : { وهو الذي جعلكم خلائف الأرض } اختلف فيه : قال بعضهم : { جعلكم خلائف الأرض } يعني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحذروا تكذيبه والخلاف له ، ويرغبوا في تصديقه والموافقة له والطاعة ليكون لهم بمن تقدمهم عبرة في التحذير والترغيب ، ويكون لهم بمن تقدمهم قدوة وعبرة ليعرفوا صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كيف يجب أن يصحبوه ، ويعاملوه من الإحسان إليه والتعظيم له والتصديق ، ويجتنبوا الإساءة إليه والتكذيب .

وقال بعضهم : قوله تعالى : { جعلكم خلائف الأرض } يعني البشر كلهم ؛ جعل بعضهم خلائف بعض في الوجود وفي الأحوال في الحياة والموت والغنى والفقر والصحة والسقم وفي العز والذل وفي كل شيء وفي الصغر والكبر ليكون لهم في ذلك عبرا ودليلا على معرفة منشئهم وخالقهم ؛ لأنه لو أنشاهم جميعا معا لم يعرفوا أحوال أنفسهم وتغيرهم من حال [ إلى حال ]{[8033]} . ولكن أنشأهم واحدا بعد واحد وقرنا بعد قرن ليعرفوا أحوال أنفسهم وانتقالهم من حال إلى حال ليعرفوا أن منشئهم واحد ، ولأنهم لو كانوا جميعا معا لم يعرفوا مبادئ أحوالهم من حال نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم من حال الصغر إلى حال الكبر . وكذلك هذا في جميع الأحوال من الغنى والفقر والصحة والسقم . ولو [ كانوا كلهم ]{[8034]} على حالة واحدة لم يعرفوا ذلك . لكن جعل بعضهم خلائف بعض ليدلهم على ما ذكرنا .

ويحتمل ما قال ابن عباس رضي الله عنه إنهم صاروا خلف الجان .

[ وبعد ]{[8035]} فالأول يكون في بيان صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والثاني في بيان وحدانية الرب عز وجل .

وقوله تعالى : { ورفع بعضكم فوق بعض درجات } يحتمل هذا في الأحوال ، ويحتمل في الخلقة ؛ جعل لبعض فضائل ودرجات على بعض ، وجعل بعضا فوق بعض بدرجات في الدنيا ليكتسبوا لأنفسهم في الآخرة الدرجات والفضائل على ما رغبوا في الدنيا في فضائل الخلقة ودرجات بعض فوق بعض ، ونفروا عن الدون من ذلك ، ليرغبهم ذلك في اكتساب الدرجات في الآخرة ، وينفرهم عن اكتساب ما ينفرون عنه في الدنيا .

وقوله تعالى : { ليبلوكم في ما آتاكم } يحتمل { ليبلوكم في ما آتاكم } من الأحوال المختلفة من الفقر والغنى والسقم والصحة والصغر والكبر وغير ذلك من الأحوال . ويحتمل { في ما آتاكم } من النعم أي ليبلوكم بالشكر على ما آتاكم من النعم .

وقوله تعالى : { إن ربك سريع العقاب } قال بعضهم : هو إخبار عن سرعة إتيان العذاب ؛ لأن كل آت قريب ، كأن قد جاء ، وكقوله تعالى : { أتى أمر الله } [ النحل : 1 ] [ وكقوله تعالى ]{[8036]} : { اقترب للناس حسابهم } [ الأنبياء : 1 ] وكقوله تعالى ]{[8037]} : { اقتربت الساعة } [ القمر : 1 ] ونحوه أنه إذا كان أتى ، لا محالة ، جعل كأن قد جاء .

وقال بعضهم : ذلك إنباء عن شدة عذابه لمن عصاه .

وقوله تعالى : { ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم } قيل : يبتلي الموسر في حال الغنى والصحيح في حال صحته ، /168-أ/ ويبتلي الفقير في حال فقره والمريض في حال مرضه .

والابتلاء من الله تعالى على وجهين : إما أمر{[8038]} بالشكر على ما أنعم [ وإما صبر ]{[8039]} على ما ابتلاه بالشدائد ، والابتلاء منه هو ما بين السبيلين جميعا سبيل الحق وسبيل الباطل ، وبين أن كل سبيل إلى ماذا أفضاه لو سلكه ؛ لو سلك سبيل الحق أفضاه إلى النعم الباقية والسرور الدائم ، وإن سلك سبيل الباطل أفضاه إلى عذاب شديد وحزن دائم . ثم خيره بين هذين . فهو معنى الابتلاء .

وقوله تعالى : { وإنه لغفور رحيم } للمؤمنين . وقد ذكرنا . [ والحمد لله رب العالمين ]{[8040]} .


[8033]:- من م: ساقطة من الأصل.
[8034]:- في الأصل وم: كان كله.
[8035]:- ساقطة من الأصل وم.
[8036]:- في الأصل وم: و.
[8037]:- في الأصل وم: و.
[8038]:- في الأصل وم: أمرا.
[8039]:- في الأصل وم: أو صبرا.
[8040]:- ساقطة من م.