الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَـٰٓئِفَ ٱلۡأَرۡضِ وَرَفَعَ بَعۡضَكُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٞ رَّحِيمُۢ} (165)

قوله تعالى : " وهو الذي جعلكم خلائف الأرض " " خلائف " جمع خليفة ، ككرائم جمع كريمة . وكل من جاء بعد من مضى فهو خليفة . أي جعلكم خلفا للأمم الماضية والقرون السالفة . قال الشماخ :

تصيبهم وتُخطئُني المنايا *** وأخلُف في رُبوع عن ربوعِ

" ورفع بعضكم فوق بعض " في الخلق . الرزق والقوة والبسطة والفضل والعلم . " درجات " نصب بإسقاط الخافض ، أي إلى درجات . " ليبلوكم " نصب بلام كي . والابتلاء الاختبار ، أي ليظهر منكم ما يكون غايته التواب والعقاب . ولم يزل بعلمه غنيا ، فابتلى الموسر بالغنى وطلب منه الشكر ، وابتلى المعسر بالفقر وطلب منه الصبر . ويقال : " ليبلوكم " أي بعضكم ببعض . كما قال : " وجعلنا بعضكم لبعض فتنة{[6983]} " [ الفرقان : 20 ] على ما يأتي بيانه . ثم خوفهم فقال : " إن ربك سريع العقاب " لمن عصاه . " وإنه لغفور رحيم " لمن أطاعه . وقال : " سريع العقاب " مع وصفه سبحانه بالإمهال ، ومع أن عقاب النار في الآخرة ؛ لأن كل آت قريب ؛ فهو سريع على هذا . كما قال تعالى : " وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب{[6984]} " [ النحل : 77 ] . وقال " يرونه بعيدا . ونراه قريبا{[6985]} " [ المعارج : 6 ، 7 ] . ويكون أيضا سريع العقاب لمن استحقه في دار الدنيا ، فيكون تحذيرا لمواقع{[6986]} الخطيئة على هذه الجهة . والله أعلم .

[ تمت سورة الأنعام بحمد الله تعالى وصلواته على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ]{[6987]} .


[6983]:راجع ج 13 ص 330 و ص 12.
[6984]:راجع ج 10 ص 150.
[6985]:راجع ج 18 ص 283.
[6986]:في ز: لمواقعة.
[6987]:من ك.