أحدها : أنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النَّبِيِّين ، فَخَلَفَتْ أمَّتْه سَائِرَ الأمَم ، والخلائف : جَمْع خليفة ؛ كالوَصَائف جَمْع وَصِيفَة ، وكُلُّ من جَاءَ تبعاً له ، فهو خَلِيفةَ ؛ لأنه يَخْلُفُه ، أي : أهْلَك القُرُون المَاضِيَة ، وجَعَلَكُم يا مُحمَّد صلى الله عليه وسلم خُلَفَاء مِنْهُم ، تَخْلُفونهم في الأرْضِ وتَعْمرُونها بعدهم .
وثانيها : جعلهُم يَخلُف بعضُهم بعضاً{[15697]} .
وثالثها : أنَّهُم خُلَفَاء اللَّه في أرْضِه ، يَمْلِكُونها ويتَصَّرفُون فيها{[15698]} .
قوله : { وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } : في الشَّرف ، والعَقْل والمال ، والجاه ، والرِّزْقِ ، { لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ } ليختبركُمْ فيما رَزَقَكُم ، يَعْنِي : يَبْتَلِي الغَنِيَّ ، والفَقِيرَ ، والشَّريف ، والوَضِيعَ ، والحُر ، والعَبْدَ ، ليُظْهِر مِنْكُم ما يكُون عليه الثَّواب والعِقَاب ، ثمَّ قال-تعالى- : { إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العقاب } لأنّ ما هُو آتٍ هو سريعٌ قريب .
وقيل : هو الهلاك في الدنيا " وإنَّه لغَفُورٌ رَحِيمٌ " .
قال عطاء : سَريع العقاب لأعْدَائه ، غَفُور رحيمٌ لأوْلِيائه رحيم بهم{[15699]} ، وأكد قوله : " لَغَفُورٌ " [ باللام ]{[15700]} دلالَة على سِعَة رَحْمَتِه ، ولمْ يؤكد سُرْعة العِقَاب بذلك هُنَا ، وإن كان قد أكَّد ذلك في سُورَة الأعْراف ؛ لأنَّ هناك المقام مقام تَخْويفٍ وتهديد ، وبعد ذِكْر قصَّة المُعْتَدين في السَّبْت وغيره ، فَنَاسب تَأكِيد العِقَاب هُنَاك ، وأتى بِصِيغَتَي الغُفْرَان والرَّحْمة ، لا بصيغَةٍ واحِدَة ؛ دلالة على حِلْمِه ، وسِعَة مغفرته ، ورَحْمَتِه .
روى جابر بْن عبد الله - رضي الله عنه - عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ قَرأ ثلاث آيات في أوَّل سُورة الأنعام إلى قوله : { وَيْعَلَم ما تَكْسِبون " وكل اللَّه به أرْبَعين ألْف ملكٍ ، يَكْتُبُون لَهُ مِثْل أعمالهم إلى يوم القيامة ، ويَنْزِلُ ملكٌ من السَّماء السَّابِعَة ، ومعهُ مَرْزبة من حَديد ، فإن أرادَ الشَّيْطان أن يُوسوسَ أو يُوحِي إلى قَلْبه ، ضربه بها ضرباً ، فكان بَيْنَه وبَيْنَه سبْعُون حِجَاباً ، فإذا كان يَوْم القيامة يَقُول الرَّبُّ -سبحانه وتعالى- امْش في ظِلِّي ، وكُل من ثِمَار جَنَّتي ، واشرب من مَاءِ الكَوْثَرِ ، واغْتَسِل من مَاء السَّلْسَبيل ، وأنْتَ عَبْدِي وأنَا ربُّك " {[1]} .
والله -سبحانه وتعالى- أعْلَم بالصَّواب ، وإليْه المَرْجع والمآبُ ، وكان اخْتِتَام هذا الجُزء المُبارك في يَوْم الأرْبعاء المُبارك ، والموافق لأحْدى عَشر يَوماً خلَت من شَهْر مُحَرَّم ، الَّذي هو ابْتِداء شهور سنة 1271 ، إحْدى وسَبْعين ومائَتَين وألْف من الهِجْرة النَّبَويَّة على صَاحِبها أفْضل الصَّلوات ، وأزْكَى السَّلام ، على يد كَاتِبها أفْقَر العباد ، وأحوَجهِم إلى ربِّه الغَنِيَ المُعْطي إبراهيم مُحَمَّد الأرْنَؤُوطِي ، غَفَر اللَّه لَهُ ، ولِوَالِدَيْه ، ولِمَن دَعَا لَهُمَا بالمَغْفِرة ، ولِلْمُسْلِمين والمُسْلِمَات الأحْيَاء مِنْهُم والأمواتِ ، إنَّه سميع قَريبٌ مُجِيب الدعوات .
وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين ، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.