بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَـٰٓئِفَ ٱلۡأَرۡضِ وَرَفَعَ بَعۡضَكُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٞ رَّحِيمُۢ} (165)

ثم قال : { وَهُوَ الذي جَعَلَكُمْ خلائف الأرض } يعني : سكان الأرض من بعد إهلاك الأمم الخالية ، لأن النبي عليه السلام خاتم النبيين ، وأمته قد خلفوا جميع الأمم . ويقال : { خلائف } يعني : يخلف بعضكم بعضاً { وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ درجات } أي فضل بعضكم على بعض في المال والرزق { لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتاكم } يعني : ليبتلي الموسر بالغِنَى ويطلب منه الشكر ، ويبتلي المُعْسِر بالفاقة ويطلب منه الصبر . ويقال : { لِيَبْلُوَكُمْ } يعني : بعضكم ببعض كما قال الله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام وَيَمْشُونَ فِي الأسواق وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً } [ الفرقان : 20 ] .

ثم خوّفه فقال : { إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العقاب } كأنه جاء لأن ما هو آتٍ فهو قريب ، كما قال : { وَمَا أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحٍ بالبصر } [ القمر : 50 ] { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } يعني : لمن أطاعه في فاقة أو غِنى . ويقال : { سَرِيعُ العقاب } لمن لم يشكر نعمته وكان مصراً على ذلك .

{ أَنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } لمن رجع وتاب { رَّحِيمٌ } بعد التوبة . ويقال : { سَرِيعُ العقاب } لمن لم يحفظ نفسه فيما أعطاه من فضل الله وترك حق الله في ذلك { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ } لمن تاب { رَّحِيمٌ } بعد التوبة . قال الفقيه قال : حدثنا أبو الحسن بن حمدان بإسناده عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أُنْزِلَتْ عَلَيَّ سُورَةُ الأَنْعَامِ جُمْلَةً وَاحِدَةً وَشَيَّعَهَا سَبْعُونَ أَلَف مَلَكٍ لَهُمْ زَجَلٌ بالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّحْمِيدِ » قال . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مَنْ قَرَأ سُورَةَ الأنْعَامِ صَلَّى عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ أُولئكَ السَّبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ بِعَدَدِ كُلِّ آيَةٍ في سُورَةِ الأنْعَامِ يَوْماً وَلَيْلَةً » .