قوله عز وجل : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلآئِفَ الأَرْضِ } فيه أربعة أوجه :
أحدها : أنه جعلهم خلفاً من الجان سكاناً للأرض ، قاله ابن عباس .
والثاني : أن أهل كل عصر يخلف أهل العصر الذي قبله ، كلما مضى أهل عصر خلفه أهل عصر بعده على انتظام ، حتى تقوم الساعة على العصر الأخير فلا يخلق عصر ، فصارت هذه الأمة خلفاً للأمم الماضية .
والثالث : جعل بعضهم خليفة لبعض ليتآلفوا بالتعاون .
والرابع : لأنهم آخر الأمم وكانوا خلفاً لمن تقدمهم ، قال الشماخ :
تصيبكم وتخطئني المنايا *** وأخلف في ربوع عن ربوع
{ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } يعني ما خالف بينهم في الغنى بالمال وشرف الآباء وقوة الأجسام ، وهذا ، وإن ابتدأه تفضلاً من غير جزاء ولا استحقاق ، لحكمة منه تضمنت ترغيباً في الأعلى وترهيباً من الأدنى ، لتدم له الرغبة والرهبة .
وقد نبه على ذلك بقوله : { لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا ءَاتَاكُمْ } يعني من الغنى والقوة وفيه وجهان :
أحدهما : ليختبركم بالاعتراف{[1023]} .
{ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقَابِ } فإن قيل : فكيف جعله سريعاً وهو في الآخرة ؟ فعنه ثلاثة أجوبة :
أحدها : أن كل آت قريب ، كقوله :
{ وَمَا أَمْرُ السَّاعِةِ إِلاَّ كَلَمْحِ البَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ }
والثاني : أن ربك سريع العقاب في الدنيا لمن استحق منه تعجيل العقاب فيها .
والثالث : أنه إذا شاء عاقب ، فصار عقابه سريعاً لأنه يقترن بمشيئته ، وهذا قول ابن بحر .
{ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } جمعاً منه بين ما يقتضي الرهبة من سرعة العقاب وبين ما يقتضي الرغبة من الغفران والرحمة ، لأن الجمع بين الرغبة والرهبة أبلغ في الانقياد إلى الطاعة والإقلاع عن المعصية ، والله عز وجل أعلم{[1024]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.