تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة غافر مكية ، آياتها خمس وثمانون ، نزلت بعد سورة الزمر ، ويسميها بعضهم " المؤمن " . وهي كسائر السور المكية تعالج قضية التوحيد ، والبعث والوحي والرسالة . ومن أهم ما عالجته قضية الحق والباطل والإيمان والكفر ، وقضية الدعوة والتكذيب ، ووصف الكتاب الكريم ، وأن الله تعالى هو العزيز العليم ، وهو غافر الذنب وقابل التوبة . وهذه هي الصفات التي يتحلى بها دائما ، وأنه على الجاحدين المكذبين شديد العقاب . ثم تمر السورة مرا سريعا بالذين يجادلون في آيات الله بالباطل ، وأنهم هم وما أوتوا وما جادلوا به ليس لهم قيمة وما مصيرهم إلا إلى النار . ثم تصف الملائكة وحملة العرش منهم خاصة ، وكيف يسبّحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا ، كما تذكر استجابة الله لدعائهم ، وما ينتظر المؤمنين في الآخرة من نعيم .

وتتحدث السورة في أكثر من موضع عن آيات الله وقدرته في السموات والأرض ، ودعوة الناس إلى توحيده بالعبادة . { فادْعوا الله مخلصين له الدين } . وقد اشتملت السورة في عدد من آياتها على التذكير باليوم الآخر : { وأنذرهم يوم الآزفة ، إذِ القلوب لدى الحاجر كاظمين } .

وجوّ السورة كله جوّ المعركة بين الحق والباطل ، وبين الإيمان والطغيان ، وبين المتكبرين المتجبرين في الأرض ، وبأس الله الذي يأخذهم بالدمار والعذاب . وتجد بين ذلك استراحات لطيفة من جوّ نسمات الرحمة والرضوان حين يجيء ذكر المؤمنين .

وكما ذكرت في مقدمة الكلام فإن السورة افتتحت بقوله تعالى { غافر الذنب وقابل التوب } فالله سبحانه وتعالى تغلب عنده صفاتُ الرحمة والرأفة على صفات العذاب والعقاب ، وبذلك سميت سورة " غافر " .

وفي أثناء السورة يقع الحديث عن قصة موسى عليه السلام مع فرعون وقومه ، ويأتي فيها ذكر رجل مؤمن من آل فرعون يُخفي إيمانه ، يَصْدَع بكلمة الحق في تلطف وحذر ، ثم في صراحة ووضوح . وهو ينصح قومه ألاّ يقتلوا موسى ، ويذكّرهم بعذاب الله وانتقامه . . ولكن فرعون لا يسمع له ، ويظل على استبداده وتجبره وطغيانه . ويكرر الرجل المؤمن نصائحه ولكن لا أحد يسمع له . وتنتهي القصة بهلاك فرعون وأتباعه ، ونجاة المؤمن ، الذي يقول لهم : { يا قوم ، مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار . . . } إلى أن يقول لهم : { فستذكرون ما أقول لكم ، وأفوّض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد } . وتختم القصة بنجاته وهلاك فرعون وآله { فوقاه الله سيئات ما مكروا ، وحاق بآل فرعون سوء العذاب . . . } .

وفي جو السورة عرض لمصارع الغابرين ، وعرض لمشاهدَ من القيامة ، وتتكرر آياتها بشكل ظاهر . وهي تعرض في صورها العنيفة المخيفة تلك المشاهدَ متناسقة مع جو السورة كله ، مثل طلب أهل النار الخروجَ منها لشدة الهول ، ورفض طلبهم ، وغير ذلك مما يدور فيه الحوار .

وتختم السورة بدعوة الناس إلى أن يسيروا في الأرض لينظروا ما حل بالأمم قبلهم ، وكيف كان عاقبة غرورهم بما عندهم من العلم . فلما حل بهم عذاب الله قالوا : آمنا بالله وحده ، وكفرنا بما أشركنا به ، ولكنهم آمنوا بعد فوات الأوان ، { فلم يكُ ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ، سنة الله التي قد خلت في عباده وخَسِرَ هنالك الكافرون } . ولن تجد لسنة الله تبديلا .

حاميم هكذا تقرأ . حرفان من حروف الهجاء ، بدئت بهما السورة للإشارة إلى أن القرآن مؤلف من جنس هذه الحروف ، ومع ذلك عجِز المشركون عن الإتيان بأصغر سورة من مثله .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة غافر

مكية وآياتها خمس وثمانون

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، قال : إن مثل القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد لأهله منزلاً ، فمر بأثر غيث ، فبينما هو يسير فيه ويتعجب منه إذ هبط على روضات دمثات ، فقال : عجبت من الغيث الأول ، فهذا أعجب منه ، فقيل له : إن مثل الغيث الأول مثل عظم القرآن ، وإن مثل هؤلاء الروضات الدمثات مثل آل حم في القرآن .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا أبو محمد الرومي ، حدثنا أبو العباس السراج ، أنبأنا قتيبة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب الجراح بن الجراح ، حدثه عن ابن عباس ، قال : لكل شيء لباب ، ولباب القرآن الحواميم ، وقال ابن مسعود : إذا وقعت في آل حم وقعت في روضات أتأنق فيهن ، وقال سعد بن إبراهيم : كن آل الحواميم يسمين العرائس .

قوله تعالى :{ حم } قد سبق الكلام في حروف التهجي . قال السدي ، عن ابن عباس : حم اسم الله الأعظم ، وروى عكرمة عنه ، قال : آلر وحم ونون حروف الرحمن مقطعة ، وقال سعيد بن جبير ، وعطاء الخراساني : الحاء افتتاح أسمائه ، حكيم ، حميد ، حي حليم ، حنان ، والميم افتتاح أسمائه ملك مجيد منان ، وقال الضحاك ، والكسائي : معناه قضى ما هو كائن ، كأنه أشارا إلى أن معناه حم بضم الحاء وتشديد الميم . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر حم بكسر الحاء ، والباقون بفتحها .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

وهي سورة المؤمن ، وتسمى سورة الطول ، وهي مكية في قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر . وعن الحسن إلا قوله : " وسبح بحمد ربك " [ غافر : 55 ] لأن الصلوات نزلت بالمدينة . وقال ابن عباس وقتادة : إلا آيتين منها نزلتا بالمدينة وهما " إن الذين يجادلون في آيات الله " [ غافر : 56 ] والتي بعدها . وهي خمس وثمانون آية . وقيل ثنتان وثمانون آية .

وفي مسند الدارمي قال : حدثنا جعفر بن عون عن مسعر عن سعد بن إبراهيم قال : كن الحواميم يسمين العرائس . وروي من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الحواميم ديباج القرآن " وروي عن ابن مسعود مثله . وقال الجوهري وأبو عبيدة : وآل حم سور في القرآن . قال ابن مسعود : آل حم ديباج القرآن . قال الفراء : إنما هو كقولك آل فلان وآل فلان كأنه نسب السورة كلها إلى حم ، قال الكميت :

وجدْنا لكم في آلِ حاميمَ آية *** تأوَّلَهَا منا تَقِيٌّ ومُعْزِبُ{[1]}

قال أبو عبيدة : هكذا رواها الأموي بالزاي ، وكان أبو عمرو يرويها بالراء . فأما قول العامة الحواميم فليس من كلام العرب . وقال أبو عبيدة : الحواميم سور في القرآن على غير قياس ، وأنشد قائلا :

وبالحواميم التي قد سُبِّعَتْ{[2]}

قال : والأولى أن تجمع بذوات حم . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لكل شيء ثمرة وإن ثمرة القرآن ذوات حم هن روضات حسان مخصبات متجاورات ، فمن أحب أن يرتع في رياض الجنة فليقرأ الحواميم ) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مثل الحواميم في القرآن كمثل الحبرات في الثياب ) ذكرهما الثعلبي . وقال أبو عبيد : وحدثني حجاج بن محمد عن أبي معشر عن محمد بن قيس قال : رأى رجل سبع جوار حسان مزينات في النوم ، فقال لمن أنتن بارك الله فيكن فقلن : نحن لمن قَرَأَنَا ، نحن الحواميم .

قوله تعالى : " حم " اختلف في معناه ، فقال عكرمة : قال النبي صلى الله عليه وسلم :( " حم " اسم من أسماء الله تعالى وهي مفاتيح خزائن ربك ) قال ابن عباس : " حم " اسم الله الأعظم . وعنه : " الر " و " حم " و " ن " حروف الرحمن مقطعة . وعنه أيضا : اسم من أسماء الله تعالى أقسم به . وقال قتادة : إنه اسم من أسماء القرآن . مجاهد : فواتح السور . وقال عطاء الخراساني : الحاء افتتاح اسمه حميد وحنان وحليم وحكيم ، والميم افتتاح اسمه ملك ومجيد ومنان ومتكبر ومصور ، يدل عليه ما روى أنس أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم : ما " حم " فإنا لا نعرفها في لساننا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( بدء أسماء وفواتح سور ) وقال الضحاك والكسائي : معناه قضي ما هو كائن . كأنه أراد الإشارة إلى تهجي " حم " ؛ لأنها تصير حم بضم الحاء وتشديد الميم ، أي قضي ووقع . وقال كعب بن مالك :

فلما تَلاَقَيْنَا ودارَتْ بنا الرَّحَى *** وليسَ لأمر حَمَّه الله مَدْفَعُ

وعنه أيضا : إن المعنى حم أمر الله أي قرب ، كما قال الشاعر :

قد حُمَّ يومي فسُرَّ قومٌ *** قومٌ بهم غفلةٌ ونومُ

ومنه سميت الحمى ؛ لأنها تقرب من المنية . والمعنى المراد قرب نصره لأوليائه ، وانتقامه من أعدائه كيوم بدر . وقيل : حروف هجاء . قال الجرمي : ولهذا تقرأ ساكنة الحروف فخرجت مخرج التهجي وإذا سميت سورة بشيء من هذه الحروف أعربت ، فتقول : قرأت " حم " فتنصب ، قال الشاعر{[13354]} :

يُذَكِّرُنِي حاميمَ والرُّمْحُ شَاجِرٌ فهلاَّ *** تلا حاميمَ قبل التَّقَدُّمِ

وقرأ عيسى بن عمر الثقفي : " حم " بفتح الميم على معنى اقرأ حم أو لالتقاء الساكنين . ابن أبي إسحاق وأبو السمال بكسرها . والإمالة والكسر للالتقاء الساكنين ، أو على وجه القسم . وقرأ أبو جعفر بقطع الحاء من الميم . الباقون بالوصل . وكذلك في " حم . عسق " . وقرأ أبو عمرو وأبو بكر وحمزة والكسائي وخلف وابن ذكوان بالإمالة في الحاء . وروي عن أبي عمرو بين اللفظين وهي قراءة نافع وأبي جعفر وشيبة . الباقون بالفتح مشبعا .


[1]:لعله عمرو بن مرة المذكور في سند الحديث (انظر ابن ماجه ج 1 ص 139 وسنن أبي داود ج 1 ص 77 طبع مصر).
[2]:في بعض النسخ: "أبي قاسم"
[13354]:قائله شريح بن أوفى العبسي- وقيل هو للأشتر النخعي.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة غافر

مكية إلا آيتي 56 و57 فمدنيتان وآياتها 85 نزلت بعد الزمر

{ حم } تقدم الكلام على حروف الهجاء ، وتختص حم بأن معناها : حم الأمر ، أي : قضى ، وقال ابن عباس " الر " و " حم " و " ن " هي حروف الرحمن .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

{ حم * } أي هذه حكمة محمد صلى الله عليه وسلم التي خصه بها الرحمن الرحيم الحميد المجيد مما له من صفة الكمال .