تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (18)

ولا تزر وازرة وزر أخرى : لا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى ، يعني لا يحمل أحد ذنب الآخر ، الوزر : الذنب .

المثقلة : النفس التي أثقلتها الذنوب .

تزكى : تطهر من دنس الأوزار .

ثم أخبرَ عن أحوال يوم القيامة ، فقال : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } :

في ذلك اليوم العصيب يكون كلُّ إنسان مسؤولا عن أعماله وعن نفسه ، فلا تحمل نفسٌ مذنبةٌ ذَنْبَ نفس أخرى .

وإن تسأل نفسٌ ذاتُ حَملٍ ثقيل أحداً أن يحمل عنها بعض ذنوبها لن تجد من يجيبها أو يحمل عنها شيئا ، وذلك لانشغال كل إنسان بنفسه : { لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [ عبس : 37 ] ، ثم سلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدم قبولهم دعوتَه وإصرارهم على عنادهم ، فقال : { إِنَّمَا تُنذِرُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب وَأَقَامُواْ الصلاة وَمَن تزكى فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ وَإِلَى الله المصير } :

لا تحزن أيها النبي ، لعنادِ قومك ، إنما ينفع تحذيرُك الذين يخافون ربهم ويقيمون الصلاة ، ومن تطهَّرَ فإنما يتطهر لنفسه ، والى الله المرجع في النهاية .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (18)

قوله تعالى : " ولا تزر وازرة وزر أخرى " تقدم الكلام فيه{[13135]} ، وهو مقطوع مما قبله . والأصل " توزر " حذفت الواو اتباعا ليزر . " وازرة " نعت لمحذوف ، أي نفس وازرة . وكذا " وإن تدع مثقلة إلى حملها " قال الفراء : أي نفس مثقلة أو دابة . قال : وهذا يقع للمذكر والمؤنث . قال الأخفش : أي وإن تدع مثقلة إنسانا إلى حملها وهو ذنوبها . والحمل ما كان على الظهر ، والحمل حمل المرأة وحمل النخلة ؛ حكاهما الكسائي بالفتح لا غير . وحكى ابن السكيت أن حمل النخلة يفتح ويكسر . " لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى " التقدير على قول الأخفش : ولو كان الإنسان المدعو ذا قربى . وأجاز الفراء ولو كان ذو قربى . وهذا جائز عند سيبويه ، ومثله " وإن كان ذو عسرة " {[13136]} [ البقرة : 280 ] فتكون " كان " بمعنى وقع ، أو يكون الخبر محذوفا ، أي وإن كان فيمن تطالبون ذو عسرة . وحكى سيبويه : الناس مجزيون بأعمالهم إن خير فخير ، على هذا . وخيرا فخير ، على الأول . وروي عن عكرمة أنه قال : بلغني أن اليهودي والنصراني يرى الرجل المسلم يوم القيامة فيقول له : ألم أكن قد أسديت إليك يدا ، ألم أكن قد أحسنت إليك ؟ فيقول بلى . فيقول : انفعني ، فلا يزال المسلم يسأل الله تعالى حتى ينقص من عذابه . وأن الرجل ليأتي إلى أبيه يوم القيامة فيقول : ألم أكن بك بارا ، وعليك مشفقا ، وإليك محسنا ، وأنت ترى ما أنا فيه ، فهب لي حسنة من حسناتك ، أو احمل عني سيئة ؛ فيقول : إن الذي سألتني يسير ، ولكني أخاف مثل ما تخاف . وأن الأب ليقول لابنه مثل ذلك فيرد عليه نحوا من هذا . وأن الرجل ليقول لزوجته : ألم أكن أحسن العشرة لك ، فاحملي عني خطيئة لعلي أنجو ، فتقول : إن ذلك ليسير ولكني أخاف مما تخاف منه . ثم تلا عكرمة : " وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى " . وقال الفضيل بن عياض : هي المرأة تلقى ولدها فتقول : يا ولدي ، ألم يكن بطني لك وعاء ، ألم يكن ثديي لك سقاء ، ألم يكن حجري لك وطاء . يقول : بلى يا أماه ، فتقول : يا بني ، قد أثقلتني ذنوبي فاحمل عني منها ذنبا واحدا . فيقول : إليك عني يا أماه ، فإني بذنبي عنك مشغول .

قوله تعالى : " إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة " أي إنما يقبل إنذارك من يخشى عقاب الله تعالى ، وهو كقوله تعالى : " إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب " {[13137]} [ يس : 11 ] . " ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه " أي من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه . وقرئ : " ومن أزكى فإنما يزكى لنفسه " . " وإلى الله المصير " أي إليه مرجع جميع الخلق .


[13135]:راجع ج 7 ص 157.
[13136]:راجع ج 3 ص 371.
[13137]:راجع ص 9 من هذا الجزء فما بعد آية 11 سورة يس.