ثم بين الله تعالى أنه مع رسوله الكريم ، فلا يستطيع أحد أن يؤذي ذلك الرسول والله وحده يكفيه كل ما يهمه . إنهم يخوفونك يا محمد بآلهتهم وأصنامهم ، وذلك من ضلالهم وتعاستهم . يقولون لك : أتسبّ آلهتنا ؟ لئن لم تكفّ عنها لنصيبنّك بسوء . لا تخف منهم فإنهم لن يضرّوك أبدا .
قرأ حمزة والكسائي وخلف : { أليس الله بكافٍ عبادَه } بالجمع ، والباقون : { عبده } بالإفراد .
{ 36 - 37 } { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ }
{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } أي : أليس من كرمه وجوده ، وعنايته بعبده ، الذي قام بعبوديته ، وامتثل أمره واجتنب نهيه ، خصوصا أكمل الخلق عبودية لربه ، وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فإن اللّه تعالى سيكفيه في أمر دينه ودنياه ، ويدفع عنه من ناوأه بسوء .
{ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } من الأصنام والأنداد أن تنالك بسوء ، وهذا من غيهم وضلالهم .
قوله تعالى : { أليس الله بكاف عبده } يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم . وقرأ أبو جعفر ، و حمزة ، والكسائي : " عباده " بالجمع يعني : الأنبياء عليهم السلام قصدهم قومهم بالسوء ، كما قال :{ وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه } ( غافر-5 ) فكفاهم الله شر من عاداهم ، { ويخوفونك بالذين من دونه } وذلك أنهم خوفوا النبي صلى الله عليه وسلم معرة معاداة الأوثان ، وقالوا : لتكفن عن شتم آلهتنا أو ليصيبنك منهم خبل أو جنون .
ولما فهم من قوله : " وكذب بالصدق إذ جاءه " أن المشركين يكذبونه ، وكان من طبع الآدمي الاهتمام بمثل ذلك ولا سيما إذا كان المكذب كثيراً وقوياً ، وتقرر أنه سبحانه الحكم العدل بين المتخاصمين وغيرهم في الدنيا والآخرة ، ولزم كل سامع الإقرار بالآخرة ، وبشر المحسنين وحذر المسيئين ، وكان من المعلوم أنهم يحذرونه آلهتهم كما يحذرهم إلهه ، حسن كل الحسن قوله مقراً للكفاية غاية الإقرار ، ومنكراً لنفيها كل الإنكار : { أليس الله } أي الجامع لصفات العظمة كلها المنعوت بنعوت الكمال من الجلال والجمال ، وأكد المراد بزيادة الجار لما عندهم من الجزم بأنهم غالبون فقال : { بكاف } وحقق المناط بالإضافة في قوله : { عبده } أي الخالص له الذي لم يشرك به أصلاً كما تقدم في المثل ممن كذبه وقصد مساءته فينصره عليهم حتى يظهر دينه ويعلي أمره ويغنيه عن أن يحتاج إلى غيره أو يجنح إلى سواه ، باعتقاد أن في يده شيئاً يستقل به ، وهذا لا ينافي السعي في الأسباب مع اعتقاد أنها بيد الله ، فإن شاء ربط بها المسببات ، وإن شاء أعقمها ، بل السعي أكمل ، لأن ترتيب الأسباب بوضع الحكيم ، فالسعي في طرحها ينافي وضع الحكمة ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو جعفر : عباده - بالجمع بمعنى الرسول وأتباعه .
ولما كان الجواب قطعاً : بلى ، إنه ليكفي من يشاء ، والأصنام الممثلون بالشركاء المتشاكسين لا يكفون من تولاهم ، بني على ذلك حالاً عجيباً من أحوالهم ، فقال معجباً منهم ومتهكماً بهم : { ويخوفونك } أي عباد الأصنام يعلمون أن الله يكفي من أراد وأن الأصنام لا كفاية عندها بوجه والحال أنهم يخوفونك . ولما كان الخوف ممن له اختيار ، فإن كان عاقلاً كان أقوى لمخالفته ، وكان من المعلوم بديهة أنه لا اختيار لهم فضلاً عن العقل ، قال تهكماً بهم بالتعبير بما يعبر به عن الذكور العقلاء لكونهم ينزلونهم بالعبادة وغيرها منزلة العقلاء مع اعترافهم بأنهم لا عقل لهم ، فصاروا بذلك ضحكة وشهرة بين الناس : { بالذين } وبين حقارتهم بقوله : { من دونه } وهم معبوداتهم ضلالاً عن المحجة فيقولون : إنا نخشى عليك أن يخبلك آلهتنا كما قالت عاد لهود عليه السلام
{ أن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء }[ هود :54 ] وسيأتي التعبير عنهم بالتانيث زيادة في توبيخهم .
ولما كان من الحق الواضح كالشمس أن ما قالوه لا يقوله عاقل ، وكان التقدير : فقد أظلهم الله إهانة لهم وهداك إكراماً لك ، بين أنه سبحانه قسرهم على ذلك ليكون إضلاله لهم آية كما أن هداه لمن هداه آية ، فقال مخففاً عنه صلى الله عليه وسلم في إذهاب نفسه عليهم حسرات دامغاً للقدرية : { ومن يضلل الله } أي الذي له الأمر كله فلا يرد أمره { فما له } لأجل أنه هو الذي أضله { من هاد } أي فخفض من حزنك عليهم
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.