تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡهَدۡيَ مَعۡكُوفًا أَن يَبۡلُغَ مَحِلَّهُۥۚ وَلَوۡلَا رِجَالٞ مُّؤۡمِنُونَ وَنِسَآءٞ مُّؤۡمِنَٰتٞ لَّمۡ تَعۡلَمُوهُمۡ أَن تَطَـُٔوهُمۡ فَتُصِيبَكُم مِّنۡهُم مَّعَرَّةُۢ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۖ لِّيُدۡخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ لَوۡ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبۡنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا} (25)

الهدي : ما يقدَّم قربانا لله في مناسك الحج والعمرة من الأنعام .

معكوفا : محبوسا لهذا الغرض .

محله : المكان الذي يسوغ فيه نحره وهو مِنى .

أن تطؤوهم : أن تقتلوهم .

المعرّة : المكروه والمشقة .

لو تزيّلوا : لو تفرقوا وتميزوا .

بعد أن بين الله أنه كفّ أيدي المؤمنين عن الكافرين ، وكف أيدي الكافرين عن المؤمنين ، ذكر هنا أن المكان هو البيتُ الحرام الذي صدّوا المؤمنين عنه ، فيقول : إن أهل مكة هم الذين كفروا ومنعوكم من دخول المسجِد الحرام ومنعوا الهَدْيَ الذي سُقتموه معكم تقرباً إلى الله من بلوغِ مكانه الذي يُنحر فيه .

ثم وضّح أكثر أن في مكة مؤمنين ومؤمناتٍ لا تعلمونهم ، ولولا كراهةُ أن تصيبوهم فتقتلوهم بغير علم بهم ، فتكونوا قتلتم إخوانكم فيلحقكم من أجل قتلهم { مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أيْ عار وخزي - لسلطانكم عليهم .

ثم أكد ميزة هذا الصلح العظيم بقوله تعالى : { لِّيُدْخِلَ الله فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ } أي ليفتح الباب أمام الذين يرغبون في دخول دين الله . وبين بوضوح بأنه لو أمكن تميُّز المسلمين من الكفار في مكة لسلّط المؤمنين على الكافرين ولعاقبهم عقاباً أليما .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡهَدۡيَ مَعۡكُوفًا أَن يَبۡلُغَ مَحِلَّهُۥۚ وَلَوۡلَا رِجَالٞ مُّؤۡمِنُونَ وَنِسَآءٞ مُّؤۡمِنَٰتٞ لَّمۡ تَعۡلَمُوهُمۡ أَن تَطَـُٔوهُمۡ فَتُصِيبَكُم مِّنۡهُم مَّعَرَّةُۢ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۖ لِّيُدۡخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ لَوۡ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبۡنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا} (25)

ثم ذكر تعالى الأمور المهيجة على قتال المشركين ، وهي كفرهم بالله ورسوله ، وصدهم رسول الله ومن معه من المؤمنين ، أن يأتوا للبيت الحرام زائرين معظمين له بالحج والعمرة ، وهم الذين أيضا صدوا { الهدي مَعْكُوفًا } أي : محبوسا { أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } وهو محل ذبحه وهو مكة ، فمنعوه من الوصول إليه ظلما وعدوانا ، وكل هذه أمور موجبة وداعية إلى قتالهم ، ولكن ثم مانع وهو : وجود رجال ونساء من أهل الإيمان بين أظهر المشركين ، وليسوا متميزين بمحلة أو مكان يمكن أن لا ينالهم أذى ، فلولا هؤلاء الرجال المؤمنون ، والنساء المؤمنات ، الذين لا يعلمهم المسلمون أن تطأوهم ، أي : خشية أن تطأوهم { فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ } والمعرة : ما يدخل تحت قتالهم ، من نيلهم بالأذى والمكروه ، وفائدة أخروية ، وهو : أنه ليدخل في رحمته من يشاء فيمن عليهم بالإيمان بعد الكفر ، وبالهدى بعد الضلال ، فيمنعكم من قتالهم لهذا السبب .

{ لَوْ تَزَيَّلُوا } أي : لو زالوا من بين أظهرهم { لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } بأن نبيح لكم قتالهم ، ونأذن فيه ، وننصركم عليهم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡهَدۡيَ مَعۡكُوفًا أَن يَبۡلُغَ مَحِلَّهُۥۚ وَلَوۡلَا رِجَالٞ مُّؤۡمِنُونَ وَنِسَآءٞ مُّؤۡمِنَٰتٞ لَّمۡ تَعۡلَمُوهُمۡ أَن تَطَـُٔوهُمۡ فَتُصِيبَكُم مِّنۡهُم مَّعَرَّةُۢ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۖ لِّيُدۡخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ لَوۡ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبۡنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا} (25)

ولما كان ما مضى من وصفهم على وجه يشمل غيرهم من جميع الكفار ، عينهم مبيناً لسبب كفهم عنهم مع استحقاقهم في ذلك الوقت للبوار والنكال والدمار فقال : { هم } أي أهل مكة ومن-{[60430]} لافهم { الذين كفروا } أي أوغلوا في هذا الوصف بجميع بواطنهم وتمام ظواهرهم { وصدوكم } زيادة على كفرهم في عمرة الحديبية هذه { عن المسجد الحرام } أي مكة ، ونفس المسجد الحرام ، والكعبة ، للإخلال بما أنتم فيه من شعائر الإحرام بالعمرة -{[60431]}{ والهدي } أي وصدوا ما أهديتموه إلى مكة المشرفة لتذبحوه بها وتفرقوه على الفقراء ، ومنه أربعون ، وفي رواية : سبعون بدنة ، كان أهداها النبي صلى الله عليه وسلم { معكوفاً } أي حال كونه مجموعاً محبوساً مع رعيكم له وإصلاحه {[60432]}لما أهدى{[60433]} لأجله { أن يبلغ محله } أي الموضع الذي هو أولى المواضع لنحره ، وهو الذي إذا أطلق انصرف الذهن إليه ، وهو في العمرة المروة ، ويجوز الذبح في الحج والعمرة في أي موضع كان من الحرم ، فالموضع الذي نحر فيه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المرة عند الإحصار ليس محله المطلق .

ولما كان التقدير : فلولا ما أشار إليه من ربط المسببات بأسبابها لسلطكم عليهم فغلبتموهم على المسجد وأتممتم عمرتكم على ما أردتم ، ثم عطف عليه-{[60434]} أمراً أخص{[60435]} منه فقال : { ولولا رجال } أي مقيمون بين أظهر الكفار بمكة { مؤمنون } أي عريقون في الإيمان فكانوا لذلك أهلاً للوصف بالرجولية { ونساء مؤمنات } أي-{[60436]} كذلك{[60437]} حبس الكل عن الهجرة العذر لأن الكفار لكثرتهم استضعفوهم فمنعوهم الهجرة ، على أن ذلك شامل لمن جبله الله على الخير وعلم منه الإيمان وإن كان في ذلك الوقت مشركاً { لم تعلموهم } أي لم{[60438]} يحط علمكم بهم من جميع الوجوه لتميزوهم بأعيانهم عن المشركين {[60439]}لأنهم ليس{[60440]} لهم قوة التمييز زمنهم بأنفسهم وأنتم لا تعرفون أماكنهم لتعاملوهم بما هم له أهل ولا سيما في حال الحرب والطعن والضرب ، ثم أبدل من " الرجال والنساء " قوله : { أن تطؤهم } أي تؤذوهم بالقتل{[60441]} أو ما يقاربه من الجراح والضرب والنهب ونحوه من الوطء الذي هو الإيقاع بالحرب منه قوله صلى الله عليه وسلم

" آخر وطأة وطئها الله بوج " يكون ذلك الأذى منكم لهم على ظن-{[60442]} أنهم مشركون أذى الدائس لمدوس وتضغطوهم{[60443]} وتأخذوهم أخذاً شديداً بقهر وغلبة تصيرون به لا تردون{[60444]} يد لامس ولا تقدرون على مدافعة { فتصيبكم } أي فيتسبب عن هذا الوطء أن يصيبكم { منهم } أي من جهتهم وبسببهم { معرة } أي مكروه وأذى هو كالحرب في انتشاره وأذاه ، وإثم وخيانة بقتال دون إذن خاص ، وبعدم الإمعان في البحث ، وغرم وكفارة ودية وتأسف وتعيير ممن لا علم له ، ثم علق بالوطء المسبب عنه إصابة المعرة إتماماً للمعنى قوله : { بغير علم } أي بأنهم{[60445]} من المؤمنين .

ولما دل السياق على أن جواب " لولا " {[60446]} محذوف تقديره : لسلطكم عليهم وما كف أيديكم عنهم ، ولكنه علم ذلك ، وعلم أنه سيؤمن ناس من المشركين فمن عليكم بأن رفع حرج إصابتهم بغير علم عنكم ، وسبب لكم أسباب الفتح الذي كان يتوقع بسبب تسليطكم{[60447]} عليهم بأمر سهل ، وكف أيديكم ولم يسلطكم عليه { ليدخل الله } أي الذي له جميع صفات الكمال { في رحمته } أي إكرامه وإنعامه { من يشاء } من المشركين بأن يعطفهم إلى الإسلام ، ومن المؤمنين بأن يستنقذهم منهم على أرفق وجه ، ولما كان ذلك{[60448]} ، أنتج قوله تعالى : { لو تزيلوا } أي تفرقوا فزال أحد الفريقين عن الآخر زوالاً{[60449]} عظيماً بحيث لا يختلط صنف بغيره فيؤمن وطء المؤمنين له بغير علم { لعذبنا } أي بأيديكم بتسليطنا أبو بمجرد أيدنا من غير واسطة { الذين كفروا } أي أوقعوا ستر الإيمان .

ولما كان هذا عاماً لجميع من اتصف بالكفر من أهل الأرض ، صرح بما دل عليه السياق فقال : { منهم } أي الفريقين وهم الصادون { عذاباً أليماً * } أي شديد الإيجاع بأيديكم أو من عندنا لنوصلكم إلى قصدكم من الاعتمار والظهر على الكفار ، ففيه اعتذار{[60450]} وتدريب على تأدب بعضهم مع بعض ، وفي الإشارة إلى بيان سر من أسرار منع الله تعالى لهم من التسليط{[60451]} عليهم حث للعبد{[60452]} على أن لا يتهم{[60453]} الله في قضائه فربما عسر عليه أمراً يظهر له أن السعادة كانت فيه وفي باطنه سم قاتل ، فيكون منع الله له منه رحمة في الباطن وإن كان نقمة في الظاهر ، فألزم التسليم مع الاجتهاد في الخير والحرص عليه والندم على{[60454]} فواته وإياك {[60455]}والاعتراض{[60456]} ، وفي الآية أيضاً أن-{[60457]} الله تعالى قد يدفع عن الكافر لأجل المؤمن .


[60430]:زيد من مد.
[60431]:زيد من مد.
[60432]:من ظ ومد، وفي الأصل: ما أهديتم.
[60433]:من ظ ومد، وفي الأصل: ما أهديتم.
[60434]:زيد من مد.
[60435]:من ظ ومد، وفي الأصل: خص.
[60436]:زيد من ظ ومد.
[60437]:من ظ ومد، وفي الأصل: لذلك.
[60438]:ليس في مد.
[60439]:من ظ ومد، وفي الأصل: لان.
[60440]:من ظ ومد، وفي الأصل: لان.
[60441]:من ظ ومد، وفي الأصل: أي.
[60442]:زيد من مد.
[60443]:من ظ ومد، وفي الأصل: تضعفوهم.
[60444]:من مد، وفي الأصل و ظ: لا ترد.
[60445]:من مد، وفي الأصل: بإيمانهم.
[60446]:من مد، وفي الأصل و ظ: لو.
[60447]:من مد، وفي الأصل و ظ: تسلطكم.
[60448]:زيد في الأصل: كذلك، ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[60449]:في مد: زولا.
[60450]:من ظ ومد، وفي الأصل: اعتداد.
[60451]:من مد، وفي الأصل و ظ: التسلط.
[60452]:من ظ ومد، وفي الأصل: للتعبد.
[60453]:من مد، وفي الأصل و ظ: لا يأتبهم.
[60454]:من مد، وفي الأصل و ظ: في.
[60455]:من ظ ومد، وفي الأصل: في الإعراض.
[60456]:من ظ ومد، وفي الأصل: في الإعراض.
[60457]:زيد من مد.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡهَدۡيَ مَعۡكُوفًا أَن يَبۡلُغَ مَحِلَّهُۥۚ وَلَوۡلَا رِجَالٞ مُّؤۡمِنُونَ وَنِسَآءٞ مُّؤۡمِنَٰتٞ لَّمۡ تَعۡلَمُوهُمۡ أَن تَطَـُٔوهُمۡ فَتُصِيبَكُم مِّنۡهُم مَّعَرَّةُۢ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۖ لِّيُدۡخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ لَوۡ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبۡنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا} (25)

قوله تعالى : { هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيّلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما 25 إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما } .

يبين الله في ذلك ظلم المشركين وشديد لؤمهم وغلظة قلوبهم ، إذ تمالأوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه ، وصدوهم عن المسجد الحرام وهم أهله وأحق الناس به وبزيارته . وذلك هو دأب المجرمين الكافرين في كل زمان . أولئك الذين تتقطع قلوبهم تغيظا واضطغانا وكراهية للإسلام والمسلمين .

فقال سبحانه : { هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام } يعني هؤلاء كفار قريش الذين جحدوا ربهم وكذبوا رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومنعوكم أن تدخلوا المسجد الحرام عام الحديبية إذ أحرم النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنعوكم أن تدخلوا المسجد الحرام عام الحديبية إذ أحرم النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه بعمرة .

قوله : { والهدي معكوفا أن يبلغ محله } الهدي ، منصوب بالعطف على الكاف والميم في { وصدوكم } و { معكوفا } أي محبوسا أو موقوفا ، و { أن يبلغ } ، مفعول لأجله والمعنى : صدوكم وصدوا الهدي كراهية أن يبلغ محله{[4267]} . وقد فعلوا ذلك ظلما وعنادا . وكان الهدي سبعين بدنه . وفي ذلك روى البخاري عن ابن عمر قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرين فحال كفار قريش دون البيت ، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنه وحلق رأسه - قيل : إن الذي حلق رأسه يومئذ خراش بن أمية ابن أبي العيص الخزاعي - وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن ينحروا ويحلوا ، ففعلوا بعد توقف كان منهم أغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالت له أم سلمة : لو نحرت لنحروا ، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه ، ونحروا بنحره . وحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ، ودعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة .

قوله : { ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم } { رجال } ، مرفوع على أنه مبتدأ ، { ونساء } عطف على { رجال } {[4268]} { أن تطئوهم } أن تقتلوهم . بدل اشتمال من { هم } أو من ضمير { تعلموهم } والمعرة تعني العيب . والمعنى : أنه كان بمكة قوم من المسلمين المختلطين بالمشركين غير متميزين منهم ولا تعرفونهم أنتم . فلولا كراهة أن تقتلوا أناسا مؤمنين بين ظهراني المشركين فيصيبكم بإهلاكهم عيب ومشقة لما كف الله أيديكم عنهم لقتلهم . والمعرة أو العيب يحتمل وجوب الدية والكفارة بقتل المؤمنين ، فضلا عن سوء القالة من المشركين أنهم فعلوا ذلك بأهل دينهم .

قوله : { ليدخل الله في رحمته من يشاء } وذلك متعلق بمحذوف ، أي لولا أن تقتلوهم فتصيبكم بقتلهم معرة من غير علم لأذن الله لكم في دخول مكة . ولكن الله حال بينكم وبين دخولها ، ليدخل الله في الإسلام من أهل مكة من يشاء قبل أن تدخلوها .

قوله : { لو تزيّلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما } أي لو تميز المؤمنين في مكة من المشركين المختلطين بهم ففارقوهم أو خرجوا من بين أظهرهم لقتلنا الكافرين منهم بالسيف .

ويستدل من هذه الآية على أن الكافر لا يؤذي إذا كان إيذاؤه يفضي إلى إيذاء المسلم حتما . فحرمه المسلم معتبرة ومقدمة على قتل العدو . وعلى هذا لو أن قوما من المشركين في حصن لهم وفيهم قوم من المسلمين أسارى وقد حصرهم المسلمون جميعا فما يجوز للمسلمين أن يقتلوهم لئلا يفضي ذلك إلى قتل الأسارى المسلمين . وكذلك لو تترس كافر بمسلم فإنه لا يجوز في الكافر ، لأن ذلك يفضي إلى إصابة . ولو فعل ذلك أحد فأصاب مسلما كان عليه الدية والكفارة . فإن لم يعلم فلا دية ولا كفارة .

أما إذا كان في قتل الترس مصلحة ضرورية للمسلمين صار قتله جائزا شرعا ، لأنه لا يحصل الوصول إلى الكفار إلا بقتل الترس . وإذا لم يقتل الترس تمكن الكافرون من المسلمين فاستولوا على بلادهم وأفنوهم جميعا .


[4267]:البيان لابن الأنباري جـ 2 ص 378.
[4268]:نفس المصدر السابق.