تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡهَدۡيَ مَعۡكُوفًا أَن يَبۡلُغَ مَحِلَّهُۥۚ وَلَوۡلَا رِجَالٞ مُّؤۡمِنُونَ وَنِسَآءٞ مُّؤۡمِنَٰتٞ لَّمۡ تَعۡلَمُوهُمۡ أَن تَطَـُٔوهُمۡ فَتُصِيبَكُم مِّنۡهُم مَّعَرَّةُۢ بِغَيۡرِ عِلۡمٖۖ لِّيُدۡخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ لَوۡ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبۡنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِيمًا} (25)

الآية 25 وقوله تعالى : { هم الذين كفروا وصدّوكم عن المسجد الحرام } أي صدّوهم عما قصدوا ، وهو الطّواف بالبيت والزيارة له ؛ ذكر صدّهم عن المسجد الحرام [ لِما كان الذي قصدُه ، هو في المسجد الحرام ، فإذا صدّوهم عن المسجد الحرام ]{[19584]} صدّوهم عما فيه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { والهَدْيَ معكوفًا أن يبلُغ محِلّه } وقوله : { معكوفا } أي محبوسا ، والعكوف ، هو الحبس ، ومنه سمّي العاكف والمعتكف .

ثم قوله : { معكوفا أن يبلُغ محلّه } محِلّ دم هَدْيِ المُتعة ، هو مكة أو منىً . فأما الحرم نفسه فليس ، هو محلّه . كأنه قال : وصدّوا الهدي عن أن يبلُغ محلّ الذي جُعل لهدي المتعة ، وهو منىً أو مكة ، لأنه ذُكر في الخبر أنه كان صلى الله عليه وسلم معتمرا ، وذُكر أنه كان متمتّعا .

وفيه أن دم المتعة إن مُنع عن محلّه سقط ، وخرج عن حُكم المتعة ، ويعود إلى مُلكه ، وله أن يصرفه إلى ما شاء .

ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم [ نحر ]{[19585]} تلك البُدْنَ التي ساقها عن الإحصار في الحرم ؟ دلّ أن هدي المتعة إذا مُنع عن المحل سقط ، وخرج عن حكم المتعة . وفيه أن دم الإحصار لا يجوز إراقته إلا في الحرم ؛ إذ الحديبيّة تجمع الحِلّ والحرم جميعا عندنا ، فإنما كان نحرها في الحرم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم } أي تقتلوهم ، وتُهلكوهم { فتصيبكم منهم معرّة بغير علم } أي لولا ما فيها ؛ أعني في مكة من رجال مؤمنين ونساء مؤمنات لأتمّ لكم الظّفر بهم ، ودخلتم عليهم ، لكن منعكم من دخولكم مكة لما ذكر .

ثم اختُلف في قوله : { فتصيبكم منهم معرّة بغير علم } : قال بعضهم : لزمكم الديّة بقتلهم ، وكذا رُوي عن محمد بن إسحاق ، وقال بعضهم : الإثم والذنب ، أي يصيبكم منهم الإثم بقتلكم إياهم ، وهذا لا يحتمل لأنهم إذا قتلوهم ، وهم لا يعلمون ، لا يلحقهم الإثم والذنب لأن الله تعالى وضع الإثم عنا في ما لا نعلمه ، ولم يضع [ عنا ]{[19586]} طريق العلم . قال الله تعالى : { وليس عليكم جناح في ما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم } [ الأحزاب : 5 ] .

وعندنا يخرّج على وجهين :

أحدهما : أي فيصيبكم من الكفرة وأهل النفاق ما يسوؤكم بقتلكم إياهم من اللائمة والتعبير وغير ذلك من القيل والقال ؛ يقولون : إنهم قتلوا أصحابهم ومن كان /519-ب/ على دينهم من أهل الإسلام ، فيجدون بذلك سبيلا إلى ما ذكرنا ، فيسوؤُكم ذلك ، والله أعلم .

والثاني يصيبكم الأسف والحزن والندامة الدائمة بقتلكم أهل الإيمان وأهل الإسلام إذا علمتم أنكم قتلتم أصحابكم وأهل دينكم ، والله أعلم .

ثم المخالف لنا تعلّق بهذه الآية في مسألتين :

إحداهما : في من أسلم ، ولم يهاجر إلينا أنه تجب الدّية في قتله لقوله : { فتصيبكم منهم معرّة بغير علم } وهي غُرْم الدية .

والثانية : هل يباح الرّمي إلى حصون المشركين إذا كان فيها أسارى المسلمين وأطفال المسلمين ، وإحراق الحصون ، أو الرمي إلى الكفار الذين تترّسُوا بأطفال المسلمين .

قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزُفر والثوريّ : لا بأس برمي المشركين ، وإن كان فيهم أسارى المسلمين وأطفالهم ، ولا بأس بأن يحرقوا الحِصن ، ويقصدوا به المشركين دون المسلمين ، وكذلك إحراق سفينة الكفار إذا كان فيها أسارى المسلمين .

قال مالك : لا تُحرق سفينة الكفار إذا كان فيها أسارى المسلمين . وقال الأوزاعي : إذا تترّس الكفار بأطفال المسلمين لم يُرمَوا ، ولا يُحرق الحصن ، ولكن لا بأس بأن يُرمى الحصن بالمنجنيق ونحو ذلك ، وكان الشافعي : لا بأس بأن يُرمى الحصن ، وفيه أسارى وأطفال المسلمين ، ولم يتّرِّسوا بهم . فله قولان .

احتجّ هؤلاء : من عادتهم أنهم كانوا يعبدون ما يهوون ، ومالت إليهم أنفسهم من الأصنام والأوثان وغيرهما ، وينصرون من عبدوها ، ويدفعون عنهم ، فيذُبّون عنها .


[19584]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم.
[19585]:من م، ساقطة من الأصل.
[19586]:ساقطة من الأصل وم.