قوله تعالى : { هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيّلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما 25 إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما } .
يبين الله في ذلك ظلم المشركين وشديد لؤمهم وغلظة قلوبهم ، إذ تمالأوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه ، وصدوهم عن المسجد الحرام وهم أهله وأحق الناس به وبزيارته . وذلك هو دأب المجرمين الكافرين في كل زمان . أولئك الذين تتقطع قلوبهم تغيظا واضطغانا وكراهية للإسلام والمسلمين .
فقال سبحانه : { هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام } يعني هؤلاء كفار قريش الذين جحدوا ربهم وكذبوا رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومنعوكم أن تدخلوا المسجد الحرام عام الحديبية إذ أحرم النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنعوكم أن تدخلوا المسجد الحرام عام الحديبية إذ أحرم النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه بعمرة .
قوله : { والهدي معكوفا أن يبلغ محله } الهدي ، منصوب بالعطف على الكاف والميم في { وصدوكم } و { معكوفا } أي محبوسا أو موقوفا ، و { أن يبلغ } ، مفعول لأجله والمعنى : صدوكم وصدوا الهدي كراهية أن يبلغ محله{[4267]} . وقد فعلوا ذلك ظلما وعنادا . وكان الهدي سبعين بدنه . وفي ذلك روى البخاري عن ابن عمر قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرين فحال كفار قريش دون البيت ، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنه وحلق رأسه - قيل : إن الذي حلق رأسه يومئذ خراش بن أمية ابن أبي العيص الخزاعي - وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن ينحروا ويحلوا ، ففعلوا بعد توقف كان منهم أغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالت له أم سلمة : لو نحرت لنحروا ، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه ، ونحروا بنحره . وحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ، ودعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة .
قوله : { ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم } { رجال } ، مرفوع على أنه مبتدأ ، { ونساء } عطف على { رجال } {[4268]} { أن تطئوهم } أن تقتلوهم . بدل اشتمال من { هم } أو من ضمير { تعلموهم } والمعرة تعني العيب . والمعنى : أنه كان بمكة قوم من المسلمين المختلطين بالمشركين غير متميزين منهم ولا تعرفونهم أنتم . فلولا كراهة أن تقتلوا أناسا مؤمنين بين ظهراني المشركين فيصيبكم بإهلاكهم عيب ومشقة لما كف الله أيديكم عنهم لقتلهم . والمعرة أو العيب يحتمل وجوب الدية والكفارة بقتل المؤمنين ، فضلا عن سوء القالة من المشركين أنهم فعلوا ذلك بأهل دينهم .
قوله : { ليدخل الله في رحمته من يشاء } وذلك متعلق بمحذوف ، أي لولا أن تقتلوهم فتصيبكم بقتلهم معرة من غير علم لأذن الله لكم في دخول مكة . ولكن الله حال بينكم وبين دخولها ، ليدخل الله في الإسلام من أهل مكة من يشاء قبل أن تدخلوها .
قوله : { لو تزيّلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما } أي لو تميز المؤمنين في مكة من المشركين المختلطين بهم ففارقوهم أو خرجوا من بين أظهرهم لقتلنا الكافرين منهم بالسيف .
ويستدل من هذه الآية على أن الكافر لا يؤذي إذا كان إيذاؤه يفضي إلى إيذاء المسلم حتما . فحرمه المسلم معتبرة ومقدمة على قتل العدو . وعلى هذا لو أن قوما من المشركين في حصن لهم وفيهم قوم من المسلمين أسارى وقد حصرهم المسلمون جميعا فما يجوز للمسلمين أن يقتلوهم لئلا يفضي ذلك إلى قتل الأسارى المسلمين . وكذلك لو تترس كافر بمسلم فإنه لا يجوز في الكافر ، لأن ذلك يفضي إلى إصابة . ولو فعل ذلك أحد فأصاب مسلما كان عليه الدية والكفارة . فإن لم يعلم فلا دية ولا كفارة .
أما إذا كان في قتل الترس مصلحة ضرورية للمسلمين صار قتله جائزا شرعا ، لأنه لا يحصل الوصول إلى الكفار إلا بقتل الترس . وإذا لم يقتل الترس تمكن الكافرون من المسلمين فاستولوا على بلادهم وأفنوهم جميعا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.