تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتۡنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِۖ وَلَئِن جَآءَ نَصۡرٞ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمۡۚ أَوَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (10)

فتنة الناس : أذاهم .

الناس في الدين ثلاثة أقسام : مؤمن حسن الاعتقاد والعمل ، وكافر مجاهر بالكفر والعناد ، ومذبذب بينهما يُظهر الإيمان بلسانه ويبطن الكفر في قلبه ، وقد بيّن الله تعالى القسمين الأولين بقوله : { فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين } . وهنا يبين القسم الثالث بقوله تعالى : { وَمِنَ الناس مَن يِقُولُ } :

ومن الناس من يقول بلسانه آمنتُ بالله ويدعي الإيمانَ ظاهرا ، فإذا أُصيب بأذىً بسبب إيمانه جزعَ وسوّى بين الناس وعذابِ الله في الآخرة ، واعتقدَ أن هذا من نقمةِ الله تعالى ، فيرتدّ عن الإسلام . وهذا كقوله تعالى : { وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطمأن بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقلب على وَجْهِهِ } [ الحج : 11 ] .

{ وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ } : لئن فتحَ الله على المؤمنين وجاءهم بعضُ الخيرات يقول المنافقون إنا كنّا معكم فأشركونا فيها معكم .

وقد توعّدهم الله وذكر أنه عليمٌ بما في صدورهم ، لا يخفى عليه شيء من أمرِهم فقال : { أَوَ لَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ العالمين } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتۡنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِۖ وَلَئِن جَآءَ نَصۡرٞ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمۡۚ أَوَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (10)

{ 10-11 } { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ }

لما ذكر تعالى أنه لا بد أن يمتحن من ادَّعى الإيمان ، ليظهر الصادق من الكاذب ، بيَّن تعالى أن من الناس فريقا لا صبر لهم على المحن ، ولا ثبات لهم على بعض الزلازل فقال : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ } بضرب ، أو أخذ مال ، أو تعيير ، ليرتد عن دينه ، وليراجع الباطل ، { جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ } أي : يجعلها صادَّة له عن الإيمان والثبات عليه ، كما أن العذاب صادٌّ عما هو سببه .

{ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ } لأنه موافق للهوى ، فهذا الصنف من الناس من الذين قال اللّه فيهم : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }

{ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ } حيث أخبركم بهذا الفريق ، الذي حاله كما وصف لكم ، فتعرفون بذلك كمال علمه وسعة حكمته .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتۡنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِۖ وَلَئِن جَآءَ نَصۡرٞ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمۡۚ أَوَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَعۡلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (10)

ولما كانت ترجمة ما مضى من قسم الراجي والمجاهد والعامل للصالح : فمن الناس - كما أشير إليه - من يؤمن بالله ، فإذا أوذى في الله صبر واحتسب انتظاراً للجزاء من العلي الأعلى ، ولكنه حذف من كل جملة ما دل عليه بما ذكر في الأخرى ، عطف عليه : { ومن الناس } أي المذبذبين { من يقول } أي بلسانه دون طمأنينة من قلبه : { آمنا بالله } أي الذي اختص بصفات الكمال ، وأشار بعد الإيماء إلى كثرة هذا الصنف بالإسناد إلى ضمير الجمع - إلى أن الأذى في هذه الدار ضربة لازب لا بد منه ، بقوله بأداة التحقيق : { فإذا أوذي } أي فتنة له واختباراً من أيِّ مؤذ كان { في الله } أي بسبب كونه في سبيل الله الذي لا يدانيه في عظمته وجميع صفاته شيء ، ببلاء يسلط به عباده عليه { جعل } أي ذلك الذي ادعى الإيمان { فتنة الناس } أي له بما يصيبه من أذاهم في جسده الذي إذا مات انقطع أذاهم عنه { كعذاب الله } أي المحيط بكل شيء ، فلا يرجى الانفكاك منه ، فيصرف المعذب بعد الشماخة والكبر إلى الخضوع والذل ، لأن لا كفؤ له ولا مجير عليه ، فلا يطاق عذابه ، لأنه على كل من الروح والجسد ، لا يمكن مفارقته لهما ولا لواحد منهما بموت ولا بحياة إلا بإرادته حتى يكون عمل هذا المعذب عند عذاب الناس له الطاعة لهم في جميع ما يأمرون به ظاهراً وباطناً ، فيتبين حينئذ أنه كان كاذباً في دعوى الإيمان ، وقصر الرجاء على الملك الديان ، وأشار إلى أن الفتنة ربما استمرت إلى الممات وطال زمنها بالتعبير بأداة الشك ، وأكد لاستبعاد كل سامع أن يقع من أحد بهت في قوله : { ولئن جاء نصر } أي لحزب الله الثابتي الإيمان .

ولما كان الإحسان منه إنما هو محض امتنان ، فلا يجب عليه لأحد شيء ، عبر بما يدل على ذلك مشيراً إلى أنه يفعله لأجله صلى الله عليه وسلم فقال : { من ربك } أي المحسن إليك بنصر أهل دينك ، تصديقاً لوعدك لهم ، وإدخالاً للسرور عليك ،

ولما كانت هذه الحالة رخاء ، عبر بضمير الجمع إشارة إلى نحو قول الشاعر :

وما أكثر الإخوان حين تعدهم *** ولكنهم في النائبات قليل

فقال : { ليقولن } أي هؤلاء الذين لم يصبروا ، خداعاً للمؤمنين خوفاً ورجاءً وعبر في حالة الشدة بالإفراد لئلا يتوهم أن الجمع قيد ، وجمع هنا دلالة على أنهم لا يستحيون من الكذب ولو على رؤوس الأشهاد ، وأكدوا لعلمهم أن قولهم ينكر لأنهم كاذبون فقالوا : { إنا كنا معكم } أي لم نزايلكم بقلوبنا وإن أطعنا أولئك بألسنتنا .

ولما كان التقدير : أليس أولياؤنا المتفرسون بأحوالهم عالمين ؟ عطف عليه منكراً قوله : { أو ليس الله } المحيط بعلم الباطن كما هو محيط بعلم الظاهر { بأعلم بما في صدور العالمين* } أي كلهم ، منهم فلا يخفى عليه شيء من ذلك إخلاصاً كان أو نفاقاً ، بل هو أعلم من أصحاب الصدور بذلك .