الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{۞مُنِيبِينَ إِلَيۡهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (31)

قوله تعالى : " منيبين إليه " اختلف في معناه ، فقيل : راجعين إليه بالتوبة والإخلاص . وقال يحيى بن سلام والفراء : مقبلين إليه . وقال عبد الرحمن بن زيد : مطيعين له . وقيل تائبين إليه من الذنوب{[12500]} ، ومنه قول أبي قيس بن الأسلت :

فإن تابوا فإنَّ بنِي سليم *** وقومهم هوازن قد أنابوا

والمعنى واحد ، فإن " ناب وتاب وثاب وآب " معناه الرجوع . قال الماوردي : وفي أصل الإنابة قولان : أحدهما : أن أصله القطع ، ومنه أخذ اسم الناب لأنه قاطع ، فكأن الإنابة هي الانقطاع إلى الله عز وجل بالطاعة . الثاني : أصله الرجوع ، مأخوذ{[12501]} من ناب ينوب إذا رجع مرة بعد أخرى ، ومنه النوبة لأنها الرجوع إلى عادة . الجوهري : وأناب إلى الله أقبل وتاب . والنوبة واحدة النوب ، تقول : جاءت نوبتك ونيابتك ، وهم يتناوبون النوبة فيما بينهم في الماء وغيره . وانتصب على الحال . قال محمد بن يزيد : لأن معنى : " أقم وجهك " فأقيموا وجوهكم منيبين . وقال الفراء : المعنى فأقم وجهك ومن معك منيبين . وقيل : انتصب على القطع ، أي فأقم وجهك أنت وأمتك المنيبين إليه ؛ لأن الأمر له ، أمر لأمته ؛ فحسن أن يقول منيبين إليه ، وقد قال الله تعالى : " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء " {[12502]} [ الطلاق : 1 ] . " واتقوه " أي خافوه وامتثلوا ما أمركم به . " وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين " بين أن العبادة لا تنفع إلا مع الإخلاص ؛ فلذلك قال : " ولا تكونوا من المشركين " {[12503]} وقد مضى هذا مبينا " في النساء{[12504]} والكهف " وغيرهما .


[12500]:لفظة " من الذنوب" ساقطة من ج.
[12501]:لفظة "مأخوذ" ساقطة من ج.
[12502]:راجع ج 18 ص 147.
[12503]:ما بين المربعين ساقط من ج.
[12504]:راجع ج 5 ص 180 و ج 11 ص 69.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{۞مُنِيبِينَ إِلَيۡهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (31)

ولما كان من الناس من منّ الله عليه بأن كان في هذا الميدان ، وسمت{[53067]} همته إلى مسابقة الفرسان ، {[53068]}فلما رأى{[53069]} أنه لم يلتفت إليه ، ولم يعول أصلاً عليه{[53070]} ، كادت نفسه تطير ، وكانت عادة القوم أن يخاطبوا القوم لمخاطبة رئيسهم تعظيماً له وحثاً لهم على التحلي بما خص به ، جُبرت قلوبهم وشرحت صدورهم فبينت لهم حال من ضمير " أقم " أو من العامل في " فطرت " إعلاماً بأنهم مرادون بالخطاب ، مشار{[53071]} إليهم بالصواب ، فقال : { منيبين } أي راجعين مرة بعد مرة بمجاذبة النفس والفطرة الأولى { إليه } تعالى بالنزوع {[53072]}عما اكتسبتموه{[53073]} من رديء الأخلاق إلى تلك الفطرة السليمة المنقادة للدليل ، الميالة إلى سواء السبيل .

ولما لم يكن بعد الرجوع إلى المحجة{[53074]} إلا الأمر{[53075]} بلزومها خوفاً من الزيغ عنها دأب المرة الأولى . قال عاطفاً{[53076]} على { فأقم } : { واتقوه } أي خافوا أن تزيغوا عن سبيله يسلمكم في أيدي أولئك المضلين ، فإذا خفتموه فلزمتموها كنتم ممن تخلى عن الرذائل { وأقيموا الصلاة } تصيروا{[53077]} ممن تحلى بالفضائل - هكذا دأب الدين أبداً تخلية ثم تحلية : أول الدخول إلى الإسلام التنزيه ، وأول الدخول في{[53078]} القرآن الاستعاذة ، وهو أمر ظاهر معقول ، مثاله من أراد أن يكتب في شيء إن مسح ما فيه من الكتابة انتفع بما كتب ، وإلا أفسد الأول ولم يقرأ الثاني - والله الموفق .

ولما كان الشرك {[53079]}من الشر{[53080]} بمكان ليس هو لغيره ، أكد النهي عنه بقوله : { ولا تكونوا } أي كوناً ما { من المشركين } أي لا تكونوا ممن يدخل في عدادهم بمواددة{[53081]} أو معاشرة أو عمل تشابهونهم فيه فإنه " من تشبه بقوم فهو منهم " وهو عام في كل شرك سواء كان بعبادة صنم أو نار أوغيرهما ، أو بالتدين بما يخالف النصوص من أقوال الأحبار والرهبان وغير ذلك .


[53067]:في ظ: سمعت ـ خطأ.
[53068]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[53069]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[53070]:زيدت الواو بعده في الأصل، ولم تكن في ظ وم فحذفناها.
[53071]:من م، وفي الأصل: مشارا، وفي ظ: مشيرا.
[53072]:من م، وفي الأصل: كما اكتسبوه، وفي ظ: عما ألفتموه.
[53073]:من م، وفي الأصل: كما اكتسبوه، وفي ظ: عما ألفتموه.
[53074]:من م، وفي الأصل وظ: الحجة.
[53075]:من ظ وم، وفي الأصل: الأمن.
[53076]:في ظ: عطفا.
[53077]:سقط من ظ.
[53078]:في ظ وم: إلى.
[53079]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[53080]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[53081]:من ظ وم، وفي الأصل: بموادة.