" ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره " " أن " في محل رفع كما تقدم ، أي قيامها واستمساكها بقدرته بلا عمد . وقيل : بتدبيره وحكمته . أي يمسكها بغير عمد لمنافع الخلق . وقيل : " بأمره " بإذنه . والمعنى واحد . " ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون " أي الذي فعل هذه الأشياء قادر على أن يبعثكم من قبوركم . والمراد سرعة وجود ذلك من غير توقف ولا تلبث . كما يجيب الداعي المطاع مدعوه . كما قال القائل :
دعوت كليبا باسمه فكأنما *** دعوتُ برأس الطَّوْدِ أو هو أسرعُ{[12465]}
يريد برأس الطود : الصدى أو الحجر إذا تدهده . وإنما عطف هذا على قيام السموات والأرض ب " ثم " لعظم ما يكون من ذلك الأمر واقتداره على مثله ، وهو أن يقول : يأهل القبور قوموا . فلا تبقى نسمة من الأولين والآخرين إلا قامت تنظر . كما قال تعالى : " ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون " {[12466]} [ الزمر : 68 ] . " وإذا " الأولى في قوله تعالى : " إذا دعاكم " للشرط ، والثانية في قوله تعالى : " إذا أنتم " للمفاجأة . وهي تنوب مناب الفاء في جواب الشرط . وأجمع القراء على فتح التاء هنا في " تخرجون " . واختلفوا في التي في " الأعراف " فقرأ أهل المدينة : " ومنها تخرجون " {[12467]} [ الأعراف : 25 ] بضم التاء ، وقرأ أهل العراق : بالفتح ، وإليه يميل أبو عبيد . والمعنيان متقاربان ، إلا أن أهل المدينة فرقوا بينهما لنسق الكلام ، فنسق الكلام في التي في " الأعراف " بالضم أشبه . إذ كان الموت ليس من فعلهم ، وكذا الإخراج . والفتح في سورة الروم أشبه بنسق الكلام . أي إذا دعاكم خرجتم أي أطعتم . فالفعل بهم{[12468]} أشبه . وهذا الخروج إنما هو عند نفخة إسرافيل النفخة الآخرة ، على ما تقدم ويأتي . وقرئ " تخرجون " بضم التاء وفتحها ، ذكره الزمخشري ولم يزد على هذا شيئا ، ولم يذكر ما ذكرناه من الفرق ، والله أعلم .
ولما كان جميع ما مضى من الآيات المرئيات ناشئاً عن هذين الخلقين العظيمين المحيطين بمن أنزلت عليهم هذه الآيات المسموعات بياناً لمن أشكل عليه أمر الآيات المرئيات ، ذكر {[52907]}أمراً جامعاً{[52908]} للكل وهو من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى أكثر من العقل{[52909]} المختوم به ما قبل فقال : { ومن آياته } أي على تمام القدرة وكمال الحكمة .
ولما كانت هذه الآية في{[52910]} الثبات لا في التجدد ، أتى بالحرف الدال على المصدر ليسلخ الفعل عن{[52911]} الاستقبال ، وعبر بالمضارع لأنه لا بد من إخراجهما عن هذا الوضع فقال : { أن تقوم } أي تبقى على ما تشاهدون من الأمر العظيم بلا عمد { السماء } أفرد لأن السماء الأولى لا تقبل النزاع لأنها مشاهدة مع صلاحية اللفظ للكل لأنه جنس { والأرض } على ما لهما من الجسامة والثقل المقتضي للهبوط { بأمره } لا بشيء سواه .
ولما لم يبق في كمال علمه وتمام قدرته شبهة{[52912]} ، قال معبراً بأداة التراخي لتدل - مع دلالتها على ما هي له - على{[52913]} العظمة ، فقال دالاً على أن قدرته على الأشياء كلها مع تباعدها على حد سواء ، وأنه لا فرق عنده في شمول أمره بين قيام الأحياء وقيام الأرض والسماء { ثم{[52914]} إذا دعاكم } وأشار إلى هوان ذلك الأمر عنده بقوله : { دعوة من الأرض } على{[52915]} بعد ما بينها وبين السماء فضلاً عن العرش ، وأكد ذلك بكونه مثل لمح البصر أو هو أقرب فقال معبراً بأداة الفجاءة : { إذا أنتم تخرجون* } أي يتجدد لكم هذا الوصف بعد اضمحلالكم بالموت والبلى ، ويتكرر باعتبار آحادكم من غير تلبث ولا مهلة أصلاً ، إلا أن يترتب{[52916]} على الأفضل فالأفضل لقوله صلى الله عليه وسلم : " أنا أول من تنشق عنه الأرض " كما دعاكم منها أولاً {[52917]}إذ خلقكم{[52918]} من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ، وأعرى{[52919]} هذه مما{[52920]} ختم به الآيات السالفة تنبيهاً على أنها مثل الأولى قد انتهت في الظهور ، ولا سيما بانضمامها إلى الأولى التي هي أعظم دال عليها إلى حد هو أضوأ من النور ، كما تأتي الإشارة إليه في آية " وهو أهون عليه " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.