الثامنة : قوله تعالى : " وامرأته قائمة " ابتداء وخبر ، أي قائمة بحيث ترى الملائكة . قيل : كانت من وراء الستر . وقيل : كانت تخدم الملائكة وهو جالس . وقال محمد بن إسحاق : قائمة تصلي . وفي قراءة عبدالله بن مسعود " وامرأته قائمة وهو قاعد " .
التاسعة : قوله تعالى : " فضحكت " قال مجاهد وعكرمة : حاضت ، وكانت آيسة ، تحقيقا للبشارة ، وأنشد على ذلك اللغويون :
وإني لآتي العِرسَ عند طُهورها*** وأهجرُها يوما إذا تَكُ ضَاحِكَا
وضِحْكُ الأرانب فوق الصَّفَا *** *** كمثلِ دمِ الجوف يوم اللِّقَا
والعرب تقول : ضحكت الأرنب إذا حاضت ، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة ، أخذ من قولهم : ( ضحكت الكافورة - وهي قشرة الطلعة - إذا انشقت ) . وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت . وقال الجمهور : هو الضحك المعروف ، واختلفوا فيه ، فقيل : هو ضحك التعجب ، قال أبو ذؤيب :
فجاء بمزجٍ لم ير الناس مثله*** هو الضَّحْكُ{[8780]} إلا أنه عمل النَّحْلِ
وقال مقاتل : ضحكت من خوف إبراهيم ، ورعِدته من ثلاثة نفر ، وإبراهيم في حشمه وخدمه ، وكان إبراهيم يقوم وحده بمائة رجل . قال : وليس الضحك الحيض في اللغة بمستقيم . وأنكر أبو عبيد والفراء ذلك ، قال الفراء : لم أسمعه من ثقة ، وإنما هو كناية . وروي أن الملائكة مسحت العجل ، فقام من موضعه فلحق بأمه ، فضحكت سارة عند ذلك فبشروها بإسحاق . ويقال : كان إبراهيم عليه السلام إذا أراد أن يكرم أضيافه أقام سارة تخدمهم ، فذلك قوله : " وامرأته قائمة " أي قائمة في خدمتهم . ويقال : " قائمة " لروع إبراهيم " فضحكت " لقولهم : " لا تخف " سرورا بالأمن . وقال الفراء : فيه تقديم وتأخير ، المعنى : فبشرناها بإسحاق فضحكت ، أي ضحكت سرورا بالولد ، وقد هرمت ، والله أعلم أي ذلك كان . قال النحاس فيه أقوال : أحسنها - أنهم لما لم يأكلوا أنكرهم وخافهم ، فلما قالوا لا تخف ، وأخبروه أنهم رسل الله{[8781]} ، فرح بذلك ، فضحكت امرأته سرورا بفرحه . وقيل : إنها كانت قالت له : أحسب أن هؤلاء القوم سينزل بهم عذاب فضم لوطا إليك ، فلما جاءت الرسل بما قالته سرت به فضحكت ، قال النحاس : وهذا إن صح إسناده فهو حسن . والضحك انكشاف الأسنان . ويجوز أن يكون الضحك إشراق الوجه ، تقول : رأيت فلانا ضاحكا ، أي مشرقا . وأتيت على روضة تضحك ، أي مشرقة . وفي الحديث ( إن الله سبحانه{[8782]} يبعث السحاب فيضحك أحسن الضحك ) . جعل انجلاءه عن البرق ضحكا ، وهذا كلام مستعار . وروي عن رجل من قراء مكة يقال له محمد بن زياد الأعرابي . " فضحكت " بفتح الحاء ، قال المهدوي : وفتح " الحاء " من " فضحكت " غير معروف . وضَحِك يضْحَك ضَحْكا وضِحْكا وضِحِكا وضَحِكا{[8783]} أربع لغات . والضَّحْكة المرة الواحدة ، ومنه قول كثير :
غلِقَتْ لضِحْكَته رقابُ المالِ{[8784]}
العاشرة : روى مسلم عن سهل بن سعد قال : دعا أبو أسيد الساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرسه ، فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس . قال سهل : أتدرون ما سقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أنقعت له تمرات من الليل في تَوْر{[8785]} ، فلما أكل سقته إياه . وأخرجه البخاري وترجم له " باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس " . قال علماؤنا : فيه جواز خدمة العروس زوجها وأصحابه في عرسها . وفيه أنه لا بأس أن يعرض الرجل أهله على صالح إخوانه ، ويستخدمهن{[8786]} لهم . ويحتمل أن يكون هذا قبل نزول الحجاب . والله أعلم .
الحادية عشرة : ذكر الطبري أن إبراهيم عليه السلام لما قدم العجل قالوا : لا نأكل طعاما إلا بثمن ، فقال لهم : " ثمنه أن تذكروا الله في أوله وتحمدوه في آخره " فقال جبريل لأصحابه : بحق اتخذ الله هذا خليلا . قال علماؤنا : ولم يأكلوا لأن الملائكة لا تأكل . وقد كان من الجائز كما يسر الله للملائكة أن يتشكلوا في صفة الآدمي جسدا وهيئة أن ييسر لهم أكل الطعام ، إلا أنه في قول العلماء أرسلهم في صفة الآدمي وتكلف إبراهيم عليه السلام الضيافة حتى إذا رأى التوقف وخاف جاءته البشرى فجأة{[8787]} .
الثانية عشرة : ودل هذا على أن التسمية في أول الطعام ، والحمد في آخره مشروع في الأمم قبلنا ، وقد جاء في الإسرائيليات أن إبراهيم عليه السلام كان لا يأكل وحده ، فإذا حضر طعامه أرسل يطلب من يأكل معه ، فلقي يوما رجلا ، فلما جلس معه على الطعام ، قال له إبراهيم : سم الله ، قال الرجل لا أدري ما الله ؟ فقال له : فاخرج عن طعامي ، فلما خرج نزل إليه جبريل فقال له : يقول الله إنه يرزقه على كفره مدى عمره وأنت بخلت عليه بلقمة ، فخرج إبراهيم فزعا يجر رداءه ، وقال : ارجع ، فقال : لا أرجع حتى تخبرني لم تردني لغير معنى ؟ فأخبره بالأمر ، فقال : هذا رب كريم ، آمنت ، ودخل وسمى الله وأكل مؤمنا{[8788]} .
الثالثة عشرة : قوله تعالى : " فبشرناها بإسحاق " لما ولد لإبراهيم إسماعيل من هاجر تمنت سارة أن يكون لها ابن ، وأيست لكبر سنها ، فبشرت بولد يكون نبيا ويلد نبيا ، فكان هذا بشارة لها بأن ترى ولد ولدها .
الرابعة عشرة : قوله تعالى : " ومن وراء إسحاق يعقوب " قرأ حمزة وعبد الله بن عامر " يعقوب " بالنصب . ورفع الباقون ، فالرفع على معنى : ويحدث لها من وراء إسحاق يعقوب . ويجوز أن يرتفع بالفعل الذي يعمل في " من " كأن المعنى : وثبت لها من وراء إسحاق يعقوب . ويجوز أن يرتفع بالابتداء ، ويكون في موضع الحال ؛ أي بشروها بإسحاق مقابلا له يعقوب . والنصب على معنى : ووهبنا لها من وراء إسحاق يعقوب . وأجاز الكسائي والأخفش وأبو حاتم أن يكون " يعقوب " في موضع جر على معنى : وبشرناها من وراء إسحاق بيعقوب . قال الفراء : ولا يجوز الخفض إلا بإعادة الحرف الخافض . قال سيبويه : ولو قلت : مررت بزيد أول من أمس وأمس عمرو{[8789]} كان قبيحا خبيثا{[8790]} ؛ لأنك فرقت بين المجرور وما يشركه وهو الواو ، كما فرقت بين الجار والمجرور ؛ لأن الجار لا يفصل بينه وبين المجرور ، ولا بينه وبين الواو .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.